وفي العام نفسه والزهراء عليهاالسلام لمّا تبلغ الخامسة من العمر ، فُجِعت رسالة الإسلام بموت كفيل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وناصره وحامي رسالته عمه أبي طالب عليهالسلام فكان عام الحزن وفراق الأحبّة ، واشتداد شوكة المشركين علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه المستضعفين ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتىٰ مات أبو طالب » (١) وقد وصلوا من أذاه إلىٰ مالم يكونوا يصلون إليه في حياة أبي طالب عليهالسلام حتىٰ نثر بعضهم التراب علىٰ رأسه الكريم ، وكانت الزهراء عليهاالسلام ترىٰ بعينيها ما يفعله المستهزئون ويقوله المتآمرون من أجلاف قريش ، فكانت تحنو علىٰ أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم كالاُمّ الرؤوم ، وتغمره بحنانها وتفديه بروحها وتميط عنه الأذىٰ ، وتخفّف من آلامه ، وتهب لنصرته وتقوم علىٰ خدمته فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم حياتها كلّها ، تبتسم لابتسامته ، وتصب الدمع الهتون إذا ما مسّه لغب ولو من عذب النسيم ! ، وكان ذلك أحد الوجوه المذكورة في سبب تكنيتها بأُمِّ أبيها من والدها صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروىٰ مسلم في الصحيح عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور بالأمس ، فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلىٰ سَلَى جزور بني فلان فيأخذه ، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقىٰ القوم فأخذه ، فلمّا سجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وضعه بين كتفيه ، قال : فاستضحكوا ، وجعل بعضهم يميل علىٰ بعض ، وأنا قائم أنظر لو كانت لي مَنَعة طرحته عن ظهر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ساجد ما يرفع رأسه ، حتىٰ انطلق إنسانٌ فأخبر فاطمة ، فجاءت وهي جُوَيريّة (٢) فطرحته عنه ، ثم أقبلت عليهم تشتمهم ، فلمّا قضىٰ
_______________________
١) تاريخ الطبري ٢ : ٣٤٤ ، دار التراث العربي ـ بيروت.
٢) ولفظ جويرية يشهد بكونها مولودة بعد البعثة لا قبلها.