ولمَّا عاد الإمام عليٌّ عليهالسلام من مهمَّته في تبليغ الوعود، قال لعثمان : « تكلَّم كلاماً يسمعه الناس منك، ويشهدون عليك، ويشهد الله علىٰ ما في قلبك من النزوع والإنابة، فإنَّ البلاد قد تمخَّضت عليك، فلا آمن أن يجيء ركب آخرين من الكوفة، فتقول : يا عليُّ اركب إليهم، ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذراً، ويقدم ركب من البصرة، فتقول : يا عليُّ اركب إليهم، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقِّك ».
فخرج عُثمان فخطب الناس، فقال بعد الحمد والثناء : أمَّا بعد أيُّها الناس، فوالله ما عاب من عاب منكم شيئاً أجهله، وما جئت شيئاً إلَّا وأنا أعرفه، ولكنِّي فتنتني نفسي وكذَّبتني وضلَّ عنِّي رشدي، ولقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « من زلَّ فليتب، ومن أخطأ فليتب، ولا يتمادَّ في الهلكة، إنَّ من تمادىٰ في الجور كان أبعد من الطريق »، فأنا أوَّل من اتَّعظ، واستغفر الله ممَّا فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردَّني الحقُّ عبداً لأستنَّ بسُنَّة العبد، ولأذلَّنَّ ذلَّ العبد، ولأكوننَّ كالمرقوق، إن مُلِكَ صبر، وإن عُتِقَ شكر، وما عن الله مذهب إلَّا إليه، فلا يعجزنَّ عنكم خياركم أن يدنوا إليَّ، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي (١)، فوالله لأعطينَّكم الرضا، ولأُنحينَّ مروان وذويه ولا أحتجب عنكم (٢).
فرقَّ الناس له، وبكوا، وبكىٰ هو أيضاً..
_______________________
١) تاريخ الطبري ٤ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.
٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٥.