ولمَّا نزل عُثمان وعاد إلىٰ بيته عاب عليه مروان إقراره بالخطأ، وما أعطاهم من الوعد بالإصلاح والصلاح، ولم يكن من عُثمان إلَّا أن يركن إلىٰ كلامه ويقول : أُخرج إلىٰ الناس فكلِّمهم، فإنِّي أستحي أن أُكلِّمهم! وخرج مروان إلىٰ الناس فقال لهم : ما شأنكم؟ قد اجتمعتم كأنَّكم جئتم لنهب! شاهت الوجوه! جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! أُخرجوا عنَّا.. ارجعوا إلىٰ منازلكم، فإنَّا والله ما نحن بمغلوبين علىٰ ما في أيدينا (١).
ولمَّا بلغ عليَّاً عليهالسلام هذا الكلام، وأنّ عُثمان أصرَّ علىٰ سياسته التي اختطَّها مروان وغيره، ولم يستطع أن يغيِّر من موقفهم، قال : « أي عباد الله، يا للمسلمين! إنِّي إن قعدت في بيتي قال لي : تركتني وقرابتي وحقِّي، وإنِّي إن تكلَّمت فجاء ما يريد يلعب به مروان ».. وقام مغضباً حتىٰ دخل علىٰ عُثمان فقال له : « أما رضيت من مروان ولا رضي منك، إلَّا بتحريفك عن دينك وعن عقلك.. والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وأيمُ الله إنِّي لأراه يوردك ولا يُصدرك! وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغُلبت علىٰ رأيك » (٢).
وندم عُثمان علىٰ فعله، فبعث إلىٰ عليٍّ عليهالسلام يستصلحه، فقال عليٌّ عليهالسلام : « أخبرته إنِّي غير عائد ».. أمَّا الناس فقد حاصروا عُثمان في بيته ومنعوا عنه الماء.. فاشتدَّ عليه الأمر، وضلَّ حائراً لا يلوي فعل شيء، إلَّا أن يغلق عليه بابه وينتظر ما سيحدث!
_______________________
١) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٦، البداية والنهاية ٧ : ١٩٣.
٢) تاريخ الطبري ٤ : ٣٦٣.