قوله : ولا وجه لما في بعض الكلمات من أنّه يعتبر في الحكومة أن يتقدّم تشريع مفاد المحكوم على تشريع مفاد الحاكم بحيث يلزم لغوية التعبّد بدليل الحاكم ... الخ (١).
بعد أن بنينا على أنّ مفاد الحكومة هو كون الدليل الحاكم متعرّضاً لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع تنزيلاً ، فلا ريب أنّه لا يصحّ نفي الموضوع تنزيلاً لنفي حكمه منزلة نفي نفسه إلاّبعد أن يتحقّق الحكم لذلك الموضوع ليكون المصحّح لنفي ذلك الموضوع هو نفي حكمه ، وحينئذ فلابدّ أن يتقدّم الدليل المحكوم. نعم هذا إذا كان الدليل الحاكم متعرّضاً ابتداءً لنفي الموضوع أو إثباته بحيث كان لسانه المطابقي هو نفي الموضوع أو إثباته كما هو الغالب.
وأمّا حكومة الأمارات على الأُصول الشرعية ، فإن قلنا إنّ مفاد دليل حجّيتها هو تنزيل مؤدّاها منزلة الواقع ، فلابدّ أن يكون مسبوقاً بدليل يثبت الآثار للواقع ، وكذلك لو قلنا إنّ مفاده هو تنزيل قيامها لدى المكلّف منزلة العلم الطريقي المتعلّق بالواقع ، فلابدّ أيضاً من أن تكون مسبوقة بذلك ، وبعد ثبوت هذا التنزيل تكون حاكمة على الأُصول الشرعية قهراً ، وحينئذ لا يحتاج دليل حجّيتها إلاّ [ إلى ] تقدّم ذلك الدليل دون تقدّم دليل حجّية الأُصول ، لأنّ المصحّح للتنزيل هو ذلك الدليل لا دليل حجّية الأُصول.
وفي الحقيقة أنّ لدليل حجّية الأمارة حكومتين : إحداهما بالنسبة إلى الأدلّة الواقعية ، وهذه الحكومة حكومة ظاهرية ، وهي تستدعي تقدّم الدليل المحكوم ، والحكومة الأُخرى بالنسبة إلى الأُصول الشرعية ، وهذه الحكومة أشبه بالحكومة الواقعية ، وهي لا تستدعي تقدّم الدليل المحكوم. وأمّا تقدّمها على الأُصول
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧١٣.