والحاصل : أنّه يمكن أن يدّعى أنّ المراد من التوقّف في كثير من هذه الروايات الآمرة بالتوقّف هو التوقّف في الفتوى على طبق إحدى الروايتين المتعارضتين ، فيكون ذلك عبارة أُخرى عن الالتزام بتساقطهما والرجوع إلى ما تقتضيه الأُصول والقواعد لو لم يكن في البين هاتان الروايتان.
ولعلّ أقوى شاهد على هذا التفسير ما نقله في الحدائق عن الكافي في الموثّق عن سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمرٍ كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال عليهالسلام : يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه » (١) فإنّ تفريع قوله عليهالسلام : « فهو في سعة حتّى يلقاه » على قوله عليهالسلام : « يرجئه حتّى يلقى من يخبره » يدلّ على أنّ المراد من الارجاء والتوقّف هو عدم لزوم العمل بإحدى الروايتين ، وأنّه لا حرج عليه من طرحهما والبناء على عدم وجودهما الذي هو عبارة أُخرى عن التساقط.
ولا يضرّ في ذلك كون ذلك الارجاء مغيّىً بلقاء من يخبره الذي هو الإمام عليهالسلام ، فإنّه لا يكون موجباً لتقيّد الحكم المذكور بإمكان ذلك ، فإنّ تعليق الحكم على غاية لا يوجب التقيّد بإمكان حصول الغاية ، كما في مثل « كلّ شيء لك حلال أو طاهر حتّى تعرف ... » (٢) ، وإلاّ لاختصّت قاعدة الطهارة والحل بما يمكن فيه حصول العلم.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٨ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٥ ، الحدائق الناضرة ١ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الكافي ١ : ٥٣ / ٧.
(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ و ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١ و ٤ ، ٣ : ٤٦٧ / أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤ ( مع اختلاف يسير ).