وفيه أوّلاً : ما تقدّم من أنّ الترجيح بالصفات المذكورة إنّما هو في الحكمين المتعارضين ، فيكون الترجيح بأوصاف الحاكم لا الراوي.
وثانياً : أنّ هذا الترجيح على تقدير كونه في مقام الرواية لا يمكن أن يستفاد منه أمر كلّي ، كي يتعدّى عن هذه الصفات إلى كلّ ما كان من أفراد ذلك الكلّي وذلك واضح.
وثالثاً : أنّ هذا لو تمّ فإنّما يكون ترجيحاً من حيث الصدور لا من حيث المضمون ، فلا يتعدّى عنه إلاّ إلى ما هو أقرب صدوراً ، لا إلى ما كان أقرب إلى الواقع ، وذلك واضح.
قلت : وكأنّ مراد من قال بالتعدّي هو التعدّي إلى كلّ ما يوجب كون إحدى الروايتين أقرب إلى الواقع من الرواية الأُخرى وإن لم تكن أقرب صدوراً من الأُخرى.
تنبيه : إنّ طائفة من الروايات دلّت على الترجيح بتأخّر الصدور (١) ، لكن الأصحاب خصوصاً المتأخّرين بل جلّ المتقدّمين لم يعملوا بهذه الروايات لاختصاصها في نظرهم بزمان الحضور ، بل لم ينقل العمل بذلك إلاّعن الصدوق قدسسره في باب الوصية ، على تأمّل في كونه مخالفاً ، فراجع رسالة السيّد قدسسره في التعادل والتراجيح (٢).
ولعلّ الوجه في لزوم الأخذ بالمتأخّر صدوراً هو أنّه إمّا ناسخ لسابقه ، أو أنّه يلزم العمل به وطرح ما تقدّمه لكون الأوّل تقية ، أو كون الثاني تقية مع لزوم العمل عليه لعدم كون التقية في صدوره ، بل إنّ التقية في العمل به أيضاً كما في قضية
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٩ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٧.
(٢) كتاب التعارض : ٤١٩ ـ ٤٢٠.