بينهما ، وعن هذا التنافي يطرأ التنافي بين الحاكيين.
والخلاصة : هي أنّا لو أخذنا التعارض بمعنى التنافي لكان منسوباً إلى المدلولين ابتداءً وإلى الدالّين بالعرض ، لكن لو أخذناه بمعنى التنافي في النتيجة والدلالة لكان منسوباً ابتداءً إلى الدليلين ، والظاهر من المعارضة هو الثاني كما يقولون في المنطق إنّ الجواب تارةً يكون عن نفس الدليل ، وأُخرى بالنقض ، وثالثة بالمعارضة ، ومرادهم بالثالث ما يكون من قبيل قولهم : العالم مستغن عن المؤثّر وكلّ مستغن عن المؤثّر قديم ، في قبال قولهم : العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث ، في كون الأوّل منتجاً ضدّ ما ينتجه الثاني.
قوله : فلو علم بكذب أحد الدليلين لمكان العلم بكون أحدهما غير واجد لشرائط الحجّية واشتبه بما يكون واجداً لشرائطها ، كان ذلك خارجاً عن باب التعارض ، بل يكون من باب اشتباه الحجّية باللاّحجّية ، ولا يأتي فيه أحكام التعارض ، وإنّما يعمل فيه ما تقتضيه قواعد العلم الاجمالي (١).
كما لو اشتمل سند كلّ من الروايتين على أبي بصير ، وعلمنا بكونه هو الثقة في إحداهما دون الأُخرى ، فيكون الحكمان اللذان تضمّنتاه من قبيل ما علم قيام الحجّة على أحدهما ، فيدخلان في العلم الاجمالي ، من دون فرق في ذلك بين كون الحكمين متنافيين في حدّ أنفسهما أو غير متنافيين ، إن كان كلّ منهما متضمّناً للتكليف ، وإلاّ فلا أثر له كما لو كانت إحداهما قائمة على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال والأُخرى قائمة على عدم وجوبه.
وينبغي أن يعلم أنّ هذه الصورة لا يلزمها العلم بكذب إحدى الروايتين ، فينبغي إسقاطه وجعل الصورة المذكورة مقصورة على العلم بكون إحداهما غير
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٠٣.