واجدة لشرائط الحجّية ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من موارد اشتباه الحجّة باللاّحجّة.
والفرق بينها وبين الصورة الأُولى ـ أعني ما تقدّم من مسألة الظهر والجمعة ـ (١) واضح ، فإنّ تلك المسألة يكون كلّ من الروايتين فيها في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الحجّية ، ولكن لمّا كان أحدهما متضمّناً لوجوب الظهر يوم الجمعة والآخر متضمّناً لوجوب الجمعة يومها ، وقد قام الإجماع على عدم الجمع بين الفريضتين يومها ، كان هذا الإجماع موجباً لتحقّق التضادّ بين المدلولين ، فيكون المحكي بإحدى الروايتين منافياً للمحكي بالأُخرى وإن لم يكن منافياً له ذاتاً ، فيدخلان في باب التعارض ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون مفاد المتن في كلّ من الروايتين هو أنّ الصلاة الواجبة يوم الجمعة هي الظهر أو هي الجمعة ، أو يكون مفاد المتن هو مجرّد أنّه يجب الظهر أو يجب الجمعة.
وهذا بخلاف الصورة الثالثة ، وهي ما لو حصل العلم الاتّفاقي الخارجي بعدم مطابقة أحد المحكيين للواقع ، بحيث إنّه علم إجمالاً بكذب إحدى الروايتين للعلم الاجمالي بعدم مطابقة مؤدّى إحداهما للواقع ، فإنّ العلم الاجمالي بعدم مطابقة أحد المؤدّيين للواقع لا يوجب طروّ التنافي بينهما على وجه يدخلهما في المتضادّين ولو عرضاً ، بل أقصى ما في ذلك أنّه يوجب العلم بعدم حجّية إحداهما ، فيكون ذلك من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة.
ولكن في الفرق تأمّل ، فإنّا لو علمنا تفصيلاً بأنّ مدلول هذه الرواية الخاصّة مخالف للواقع فسقطت عن الحجّية ، ثمّ بعد ذلك اشتبهت برواية أُخرى ، كان
__________________
(١) تقدّم في فوائد الأُصول ٤ : ٧٠٢.