ذلك الاشتباه من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة.
أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك ، بل لم يكن لدينا إلاّورود هاتين الروايتين المشمول كلّ منهما في حدّ نفسه لدليل الحجّية ، غايته أنّا علمنا من الخارج أنّ الحكم المحكي بإحداهما غير مطابق للواقع ، فهل هذا العلم الاتّفاقي كالإجماع في تلك المسألة يكون موجباً لعروض التنافي بين المدلولين ويحقّق التعارض بين الروايتين ، أو أنّه لا يكون كذلك وإنّما أقصى ما في البين هو العلم الوجداني بأنّ أحد المدلولين مخالف للواقع ، وذلك أمر آخر غير ملاك التعارض الذي هو عدم اجتماع المدلولين والمحكيين للتنافي الواقعي بينهما. وبالجملة : أنّه إذا كان أحد المدلولين غير مطابق للواقع وإن صحّ لنا أن نقول إنّه لا يجتمع مع غيره ، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو على نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا يكون محقّقاً لموضوع التعارض وهو عدم اجتماع المدلولين؟
وحاصل الفرق بين المسألتين : أنّ الإجماع في تلك المسألة إنّما قام على وحدة الفريضة وأنّه ليس في البين إلاّتكليف واحد لا تكليفان ، بمعنى أنّه يكون قائماً على عدم اجتماع الاثنين ، فيكون عبارة أُخرى عن الحكم بعدم اجتماع المدلولين ، فيكون قائماً مقام الدليل العقلي القائل إنّه لا يجتمع الضدّان ، بخلاف العلم الاتّفاقي هنا فإنّه إنّما تعلّق بعدم مطابقة أحد المدلولين للواقع ، من دون تعرّض لكون الثابت هو أحدهما ، إذ لا علم بثبوت أحدهما ، وإنّما تعلّق العلم المذكور بنفي أحدهما ، ومن الواضح أنّ ذلك لا دخل له بالحكم بعدم اجتماعهما كي يكون موجباً لدخوله في التعارض ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه إلحاق [ الصورة ] الثالثة ـ وهي صورة العلم بكذب إحدى الروايتين ـ بصورة العلم بكون إحداهما غير مشمولة لدليل الحجّية في كون المسألتين من قبيل [ اشتباه ] الحجّة