أكرم عالماً على أنّه لا فرق في مقام الامتثال بين كون ذلك الفرد من طبيعة العالم متّصفاً بالفسق وكونه غير متّصف به ، فيكون فيه الدلالة على أنّ للمكلّف أن يختار العالم الفاسق لامتثال قوله أكرم عالماً ، مع أنّ قوله لا تكرم الفسّاق له الدلالة على أنّه لا يجوز إكرام ذلك الفرد ، فوقع التنافي بين هذين الدليلين.
وهذا التنافي لا يرفعه ما أُشير إليه من تقديم ما ليس له البدل على ما له ، لأنّه إنّما ينفع في مقام التزاحم ، فلابدّ في رفع هذا التنافي من سلوك الطريقة السابقة من تحكيم قوله لا تكرم الفسّاق على إطلاق أكرم عالماً ، من جهة كونه رافعاً لمقدّمة من مقدّمات دليل حجّية إطلاقه.
قوله : لأنّ من مقدّمات الحكمة في الاطلاق البدلي كون الأفراد متساوية الأقدام ، ومقدّمات الحكمة في الاطلاق الشمولي تمنع من ذلك ... الخ (١).
لا يخفى أنّ مقدّمات الحكمة المسوقة لإثبات الاطلاق البدلي في مثل أكرم عالماً لا تزيد على المقدّمات المسوقة لإثبات الاطلاق الشمولي في مثل لا تكرم الفاسق أو يحرم إكرام الفاسق. نعم بعد ثبوت الاطلاق في المثال يحكم العقل بالتخيير بين الأفراد لكونها متساوية الأقدام في الدخول تحت صرف الطبيعة المطلوبة ، كما أنّ العقل يحكم بلزوم ترك إكرام جميع أفراد الفاسق لتساويها أيضاً في الدخول تحت صرف الطبيعة الممنوع عنها ، نعم إنّ الحكم العقلي الثاني يكون مقدّماً على حكمه الأوّل ، لكن هذا التقديم أيضاً في مقام التزاحم لا في مقام التعارض بين الدليلين.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٣٢.