لكنّه قدسسره في مبحث الإجماع (١) قد منع من كون ذلك هو مبنى حجّيته ، لندرة الإجماع الكاشف عن رأيه عليهالسلام ، وأوضح أنّ المدرك في حجّية الإجماع هو كشفه عن وجود الدليل المعتبر ، غايته أنّه لم يصل ذلك الدليل إلينا ، وحينئذ لابدّ لنا أن نقول : إنّ الفرق بين الإجماع والشهرة [ هو أنّهما ] وإن اشتركا في الكشف عن الدليل المعتبر ، إلاّ أنّ الشهرة إنّما تكشف عنه كشفاً ظنّياً ، بخلاف الإجماع فإنّ إطباقهم يكشف عن الدليل المعتبر كشفاً قطعياً.
لكن يبقى الإشكال في أنّ مجرّد القطع بأنّهم قد استندوا إلى دليل معتبر لديهم لا يوجب حجّية ذلك الدليل في حقّنا ، لإمكان أنّا لو اطّلعنا على ذلك الدليل لم يكن حجّة لدينا ، وتمام الكلام في مبحث الإجماع ، فراجع.
قوله : الأمر الثالث : قد ذكر الشيخ قدسسره للترجيح بمخالفة العامّة وجوهاً أربعة ، ولكن الظاهر رجوع بعضها إلى بعض ، فإنّ مرجع كون المخالفة للعامّة من حيث نفسها مطلوبة للشارع إلى التعبّد بمخالفة العامّة ، فلا يكون كلّ منهما وجهاً على حدة ... الخ (٢).
أفاد قدسسره فيما حرّرته عنه أنّ الثاني من هذه الوجوه راجع إلى الأوّل ، والرابع منها راجع إلى الثالث ، فينحصر الأمر في احتمالين ، احتمال كون الأخذ بالمخالف من باب الموضوعية ، واحتمال كونه من باب الطريقية لكشفه عن كون الطرف الآخر قد أعطى من جراب النورة ، ورجّح قدسسره الاحتمال الثاني على الأوّل لما في الأوّل من كونه غير مناسب لمقام هذه الطائفة المحقّة ، وإنّما جرى عليه العامّة كما ينقل عنهم في مسألة تسنيم القبور من أنّ الأصل هو التربيع ، وإنّما جعل التسنيم
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ١٥٠ ـ ١٥١.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٧٨٩.