وكذا الكلام لو كان الملتمس هو مدعي الإبراء أو مدعي الشراء فإنهما لا يجابان أيضا فيلزمان بالتسليم عملا بمقتضى البينة. والدليل على ذلك أن غيبة الشهود لا ميزان لها شرعا أو عرفا ، فربما يتوقف حضورها على مضي سنة أو سنتين وفي إجابتهم في تأخير القضاء حينئذ حرج وضرر عظيم لا يمكن التزامهما وينافيان للغرض المشرع للقضاء ، وهو واضح لا يخفي على المتفقه.
نعم الظاهر أن الحكم في الوجه الأول من وجوه التعليق ـ أعني التعليق الراجع إلى أصل تحقق الميزان مثل التعليق بالنسبة إلى الجرح ـ ليس كذلك فان مدعي الجرح يمهل إلى إحضار بينته ، وذلك لما أسلفنا آنفا من أن أصالة عدم الجارح لا تصلح ميزانا للقضاء ولا مكملا له ، لانحصار موازين استخراج الحقوق في أمور ليس منها الأصل.
ولا يرد ذلك في الوجهين الأخيرين ، لأن الفرض فيهما وجود البينة للمدعي فعلا ، وهو أحد تلك الأمور وعمدتها ، فلو حكم حينئذ فقد وقع الحكم بالميزان الشرعي ، إذ لا ينافي استناد الحكم إليها دفع احتمال وجود معارض بالأصل.
والحاصل ان التعليق الراجع الى موضوع البينة الشرعية كالتعليق بالنسبة إلى الجرح يمنع عن القضاء قبل الفحص عن وجود المعلق وعن العمل بالأصل في إحراز ذلك قبل الإمهال والفحص والنظر ، بخلاف التعليق الراجع الى تحقق مدلول البينة أو الى اعتبارها كالتعليق بالنسبة الى عدم الدليل على ارتفاع الحالة المشهود بها هنا ـ أعني الملك السابق ـ أو مع عدم المعارض كتعليق بينة الخارج بالنسبة إلى بينة الداخل ، فإنه لا يمنع عن القضاء مطلقا بل مع حضور البينة المعلق على عدمها اعتبار بينة المدعي.
ويمكن أن يكون السر في ذلك أن دعوى الجرح ونحوها مما يرجع الى دعوى عدم صلاحية الميزان للقضاء دعوى على الحاكم ، فمدعي الجرح