لما مر من أن القضاء بالتنصيف آخر موازين القضاء. وهذا أصل متبع في كل مقام لا يمكن القضاء فيه بالبينة ولا باليمين ولا بالقرعة.
فإن قلت : لا وجه للتنصيف ، بل إذا تعذرت الأمور الثلاثة يجب إيقاف القضاء ، كما لو انحصر القضاء بالبينة ولم تكن للمدعي بينة مثل الدعوى على الغائب مثلا. وبعبارة أخرى : ان المتداعيين إذا لم يكن مع أحدهما شيء من الموازين الثلاثة طردهما الحاكم ولم يسمع الدعوى ولم يقم دليل على القضاء بالتنصيف من غير ميزان بل هو حكم بلا مستند ، فكما أن حكم الواقعة إذا انحصر في البينة مثلا مثل الدعوى على الغائب يوقف فيها القضاء مع عدم بينة للمدعي ولا يسمع دعواه ، فكذلك ما نحن فيه يجب فيه إيقاف القضاء لعدم الميزان.
قلت : إيقاف القضاء تارة يكون باعتبار عدم قدرة المدعي مثلا على اقامة الميزان مع كونه مجهولا شرعا ، مثل عدم سماع الدعوى على الغائب بلا بينة ، وأخرى يكون باعتبار عدم جعل الشارع للواقعة ميزانا :
الأول أمر ممكن ، لان مرجعه الى عدم سماع دعوى المدعي إذا توقف سماعها على البينة التي هو فاقد لها ، وهذا لا ضير فيه ومنافاة للحكمة.
وأما الثاني فهو مناف للحكمة ومناف للغرض المشرع للقضاوة ونصب الاحكام ، لأنه يجب على الشارع في الواقعة التي تسمع فيها الدعوى جعل ميزان للقضاء والا كان السماع لغوا.
وما نحن فيه من قبيل الثاني ، لأنه إذا نكل كل منهما عن اليمين بعد سماع دعواهما ومطالبة البينة منهما وتعارض البينتين واستعمال القرعة وإحلاف من خرجت باسمه ونكوله عن الحلف ورده الى الأخر ونكوله ، فلا بد أن يكون