أو القومية أن يتفكروا تفكرا اجتماعيا كاليهود والأعراب وعدة من الأمم السالفة فتراه يؤاخذ اللاحقين بذنوب السابقين ، ويعاتب الحاضرين ويوبخهم بأعمال الغائبين والماضين كل ذلك لأنه القضاء الحق فيمن يتفكر فكرا اجتماعيا ، وفي القرآن الكريم من هذا الباب آيات كثيرة لا حاجة إلى نقلها.
نعم مقتضى الأخذ بالنصفة أن لا يضطهد حق الصالحين من الأفراد بذلك إن وجدوا في مجتمع واحد فإنهم وإن عاشوا بينهم واختلطوا بهم إلا أن قلوبهم غير متقذرة بالفكر الفاسد والمرض المتبطن الفاشي في مثل هذا المجتمع ، وأشخاصهم كالأجزاء الزائدة في هيكله وبنيته ، وهكذا فعل القرآن في آيات العتاب العام فاستثنى الصلحاء والأبرار.
ويتبين مما ذكرنا أن القضاء بالصلاح والطلاح على أفراد المجتمعات المتمدنة الراقية على خلاف أفراد الأمم الأخرى لا ينبغي أن يبنى على ما يظهر من معاشرتهم ومخالطتهم فيما بينهم وعيشتهم الداخلية بل بالبناء على شخصيتهم الاجتماعية البارزة في مماستها ومصاكتها سائر الأمم الضعيفة ومخالطتها الحيوية سائر الشخصيات الاجتماعية في العالم.
فهذه هي التي يجب أن تراعى وتعتبر في القضاء بصلاح المجتمع وطلاحه وسعادته وشقائه وعلى هذا المجرى يجب أن يجري باحثونا ثم إن شاءوا فليستعجبوا وإن شاءوا فليتعجبوا.
ولعمري لو طالع المطالع المتأمل تاريخ حياتهم الاجتماعية من لدن النهضة الحديثة الأوربية وتعمق فيما عاملوا به غيرهم من الأمم والأجيال المسكينة الضعيفة لم يلبث دون أن يرى أن هذه المجتمعات التي يظهرون أنهم امتلئوا رأفة ونصحا للبشر يفدون بالدماء والأموال في سبيل الخدمة لهذا النوع وإعطاء الحرية والأخذ بيد المظلوم المهضوم حقا وإلغاء سنة الاسترقاق والأسر يرى أنهم لا هم لهم إلا استعباد الأمم الضعيفة مساكين الأرض ما وجدوا إليه سبيلا بما وجدوا إليه من سبيل فيوما بالقهر ، ويوما بالاستعمار ، ويوما بالاستملاك ، ويوما بالقيمومة ، ويوما باسم حفظ المنافع المشتركة ، ويوما باسم الإعانة على حفظ الاستقلال ، ويوما باسم حفظ الصلح ودفع ما يهدده ، ويوما باسم الدفاع عن حقوق الطبقات المستأصلة المحرومة ويوما ... ويوما ....