على الناس شخصه ، ويعتذر كل من يتثبط ويتثاقل في إقامة الحق والثورة على أعدائه ويداهنهم بأن القيام على الحق يذلله بين الناس ، ويضحك منه الدنيا الحاضرة ، ويعدونه من بقايا القرون الوسطى أو أعصار الأساطير فإن ذكرته بشرافة النفس وطهارة الباطن رد عليك قائلا : ما أصنع بشرافة النفس إذا جرت إلى نكد العيش وذلة الحياة هذا.
وأما المنطق الآخر وهو منطق الإسلام فهو يبني أساسه على اتباع الحق وابتغاء الأجر والجزاء من الله سبحانه وإنما يتعلق الغرض بالغايات والمقاصد الدنيوية في المرتبة التالية وبالقصد الثاني ، ومن المعلوم أنه لا يشذ عن شموله مورد من الموارد ، ولا يسقط كليته من العموم والاطراد ، فالعمل ـ أعم من الفعل والترك ـ إنما يقع لوجهه تعالى وإسلاما له واتباعا للحق الذي أراده وهو الحفيظ العليم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا عاصم منه ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء والله بما تعملون خبير.
فعلى كل نفس فيما وردت مورد عمل أو صدرت ، رقيب شهيد قائم بما كسبت ، سواء شهده الناس أو لا ، حمدوه أو لا ، قدروا فيه على شيء أو لا.
وقد بلغ من حسن تأثير التربية الإسلامية أن الناس كانوا يأتون رسول الله صلىاللهعليهوآله فيعترفون عنده بجرائمهم وجناياتهم بالتوبة ويذوقون مر الحدود التي تقام عليهم ( القتل فما دونه ) ابتغاء رضوان الله وتطهيرا لأنفسهم من قذارة الذنوب ودرن السيئات ، وبالتأمل في هذه النوادر الواقعة يمكن للباحث أن ينتقل إلى عجيب تأثير البيان الديني في نفوس الناس وتعويده لهم السماحة في ألذ الأشياء وأعزها عندهم وهي الحياة وما في تلوها ولو لا أن البحث قرآني لأوردنا طرفا من الأمثلة التاريخية فيه.
٨ ـ ما معنى ابتغاء الأجر عند الله والإعراض عن غيره؟ ربما يتوهم المتوهم أن جعل الأجر الأخروي وهو الغرض العام في حياة الإنسان الاجتماعية يوجب سقوط الأغراض الحيوية التي تدعو إليه البنية الطبيعية الإنسانية وفيه فساد نظام الاجتماع ، والانحطاط إلى منحط الرهبانية ، وكيف يمكن الانقطاع إلى مقصد من المقاصد مع التحفظ على المقاصد المهمة الأخرى؟ وهل هذا إلا تناقض؟.
لكنه توهم ناش من الجهل بالحكمة الإلهية والأسرار التي تكشف عنها المعارف القرآنية فإن الإسلام يبني تشريعه على أصل التكوين كما مر ذكره مرارا في المباحث