والمجتمعات التي هذا شأنها لا ترتضي الفطرة الإنسانية السليمة أن تصفها بالصلاح أو تذعن لها بالسعادة وإن أغمضت النظر عما يشخصه قضاء الدين وحكم الوحي والنبوة من معنى السعادة.
وكيف ترضى الطبيعة الإنسانية أن تجهز أفرادها بما تجهزها على السواء ثم تناقض نفسها فتعطي بعضا منهم عهدا أن يتملكوا الآخرين تملكا يبيح لهم دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، ويسوي لهم الطريق إلى اللعب بمجامع حياتهم ووجودهم والتصرف في إدراكهم وإرادتهم بما لم يلقه ولا قاساه إنسان القرون الأولى ، والمعول في جميع ما نذكره تواريخ حياة هؤلاء الأمم وما يقاسيه الجيل الحاضر من أيديهم فإن سمي ما عندهم سعادة وصلاحا فلتكن بمعنى التحكم وإطلاق المشية.
٦ ـ بما ذا يتكون ويعيش الاجتماع الإسلامي؟ لا ريب أن الاجتماع أي اجتماع كان إنما يتحقق ويحصل بوجود غاية واحدة مشتركة بين أفراده المتشتتة وهو الروح الواحدة السارية في جميع أطرافه التي تتحد بها نوع اتحاد ، وهذه الغاية والغرض في نوع الاجتماعات المتكونة غير الدينية إنما هي غاية الحياة الدنيوية للإنسان لكن على نحو الاشتراك بين الأفراد لا على نحو الانفراد وهي التمتع من مزايا الحياة المادية على نحو الاجتماع.
والفرق بين التمتع الاجتماعي والانفرادي من حيث الخاصية أن الإنسان لو استطاع أن يعيش وحده كان مطلق العنان في كل واحد من تمتعاته حيث لا معارض له ولا رقيب إلا ما قيد به بعض جهازاته بعضا فإنه لا يقدر أن يستنشق كل الهواء فإن الرئة لا تسعه وإن اشتهاه ، ولا يسعه أن يأكل من المواد الغذائية لا إلى حد فإن جهاز الهاضمة لا يتحمله فهذا حاله بقياس بعض قواه وأعضائه إلى بعض ، وأما بالنسبة إلى إنسان آخر مثله فإذ كان لا شريك له في ما يستفيد منه من المادة على الفرض فلا سبب هناك يقتضي تضييق ميدان عمله ، ولا تحديد فعل من أفعاله وعمل من أعماله.
وهذا بخلاف الإنسان الواقع في ظرف الاجتماع وساحته فإنه لو كان مطلق العنان في إرادته وأعماله لأدى ذلك إلى التمانع والتزاحم الذي فيه فساد العيش وهلاك النوع وقد بينا ذلك في مباحث النبوة السابقة أوفى بيان.