وهذا هو السبب الوحيد الذي يدعو إلى حكومة القانون الجاري في المجتمع غير أن المجتمعات الهمجية لا تتنبه لوضعها عن فكر ورؤية وإنما يكون الآداب والسنن فيها المشاجرات والمنازعات المتوفرة بين أفرادها فتضطر الجميع إلى رعاية أمور تحفظ مجتمعهم بعض الحفظ ، ولما لم تكن مبنية على أساس مستحكم كانت في معرض النقض والإبطال تتغير سريعا وتنقرض ، ولكن المجتمعات المتمدنة تبنيه على أساس قويم بحسب درجاتهم في المدنية والحضارة فيرفعون به التضاد والتمانع الواقع بين الإرادات وأعمال المجتمع بتعديلها بوضع حدود وقيود لها ثم ركز القدرة والقوة في مركز عليه ضمان إجراء ما ينطق به القانون.
ومن هنا يظهر أولا : أن القانون حقيقة هو ما تعدل به إرادات الناس وأعمالهم برفع التزاحم والتمانع من بينهما بتحديدها.
وثانيا : أن أفراد المجتمع الذي يحكم فيه القانون أحرار فيما وراءه كما هو مقتضى تجهز الإنسان بالشعور والإرادة بعد التعديل ، ولذا كانت القوانين الحاضرة لا تتعرض لأمر المعارف الإلهية والأخلاق ، وصار هذان المهمان يتصوران بصورة يصورهما بها القانون فيتصالحان ويتوافقان معه على ما هو حكم التبعية فيعودان عاجلا أو آجلا رسوما ظاهرية فاقدة للصفاء المعنوي ، ولذلك السبب أيضا ما نشاهده من لعب السياسة بالدين فيوما تقضي عليه وتدحضه ، ويوما تميل إليه فتبالغ في إعلاء كلمته ، ويوما تطوي عنه كشحا فتخليه وشأنه.
وثالثا : أن هذه الطريقة لا تخلو عن نقص فإن القانون وإن حمل ضمان إجرائه على القدرة التي ركزها في فرد أو أفراد لكن لا ضمان على إجرائه بالآخرة بمعنى أن منبع القدرة والسلطان لو مال عن الحق وحول سلطة النوع على النوع إلى سلطة شخصه على النوع وانقلبت الدائرة على القانون لم يكن هناك ما يقهر هذا القاهر فيحوله إلى مجراه العدل ، وعلى هذا القول شواهد كثيرة مما شاهدناه في زماننا هذا وهو زمان الثقافة والمدنية فضلا عما لا يحصى من الشواهد التاريخية ، وأضف إلى هذا النقص نقصا آخر وهو خفاء نقض القانون على القوة المجرية أحيانا أو خروجه عن حومة قدرته ، ( ولنرجع إلى أول الكلام ).
وبالجملة الاجتماعات المدنية توحدها الغاية الواحدة التي هي التمتع من مزايا الحياة