وبنى الاجتماع على العقيدة دون الجنسية والقومية والوطن ونحو ذلك ، حتى في مثل الزوجية والقرابة في الاستمتاع والميراث ، فإن المدار فيهما على الاشتراك في التوحيد لا المنزل والوطن مثلا.
ومن أحسن الشواهد على هذا ما نراه عند البحث عن شرائع هذا الدين أنه لم يهمل أمره في حال من الأحوال ، فعلى المجتمع الإسلامي عند أوج عظمته واهتزاز لواء غلبته أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه ، وعليه عند الاضطهاد والمغلوبية ما يستطيعه من إحياء الدين وإعلاء كلمته وعلى هذا القياس حتى أن المسلم الواحد عليه أن يأخذ به ويعمل منه ما يستطيعه ولو كان بعقد القلب في الاعتقاديات والإشارة في الأعمال المفروضة عليه.
ومن هنا يظهر أن المجتمع الإسلامي قد جعل جعلا يمكنه أن يعيش في جميع الأحوال وعلى كل التقادير من حاكمية ومحكومية وغالبية ومغلوبية وتقدم وتأخر وظهور وخفاء وقوة وضعف. ويدل عليه من القرآن آيات التقية بالخصوص قال تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) الآية : « النحل : ١٠٦ » وقوله : ( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) : « آل عمران : ٢٨ » وقوله : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (١) وقوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) : « آل عمران : ١٠٢ ».
١٤ ـ الإسلام اجتماعي بجميع شئونه : يدل على ذلك قوله تعالى : ( وَصابِرُوا وَرابِطُوا ـ وَاتَّقُوا اللهَ. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الآية على ما مر بيانه وآيات أخر كثيرة.
وصفة الاجتماع مرعية مأخوذة في الإسلام في جميع ما يمكن أن يؤدي بصفة الاجتماع من أنواع النواميس والأحكام بحسب ما يليق بكل منها من نوع الاجتماع وبحسب ما يمكن فيه من الأمر والحث الموصل إلى الغرض فينبغي للباحث أن يعتبر الجهتين معا في بحثه :
فالجهة الأولى من الاختلاف ما نرى أن الشارع شرع الاجتماع مستقيما في الجهاد إلى حد يكفي لنجاح الدفاع وهذا نوع ، وشرع وجوب الصوم والحج مثلا للمستطيع غير المعذور ولازمه اجتماع الناس للصيام والحج وتمم ذلك بالعيدين : الفطر والأضحى ،
__________________
(١) سورة التغابن : ١٦