العدل خيرا ( حكما كليا لا من حيث انطباقه على المورد ) تكون أحكاما نسبية متغيرة بتغير الأزمنة والأوضاع والأحوال ، وقد بينا في محله فساد هذه النظرية من حيث كليتها.
وحاصل ما ذكرناه هناك أن النظرية غير شاملة للقضايا الكلية النظرية وقسم من الآراء الكلية العملية.
وكفى في بطلان كليتها أنها لو صحت ( أي كانت كلية مطلقة ثابتة ) أثبتت قضية مطلقة غير نسبية وهي نفسها ، ولو لم تكن كلية مطلقة بل قضية جزئية أثبتت بالاستلزام قضية كلية مطلقة فكليتها باطلة على أي حال ، وبعبارة أخرى لو صح أن « كل رأي واعتقاد يجب أن يتغير يوما » وجب أن يتغير نفس هذا الرأي يوما أي لا يتغير بعض الاعتقادات أبدا فافهم ذلك.
١١ ـ هل الإسلام بشريعته يفي بإسعاد هذه الحياة الحاضرة؟ ربما يقال : هب أن الإسلام لتعرضه لجميع شئون الإنسانية الموجودة في عصر نزول القرآن كان يكفي في إيصاله مجتمع ذاك العصر إلى سعادتهم الحقيقية وجميع أمانيهم في الحياة لكن مرور الزمان غير طرق الحياة الإنسانية فالحياة الثقافية والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرنا المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية فقد بلغ الإنسان إثر مجاهداته الطويلة الشاقة مبلغا من الارتقاء والتكامل المدني لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدة قرون كان كالقياس بين نوعين متباينين فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك العصر للحياة المتشكلة العبقرية اليوم؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال الأخرى.
والجواب : أن الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كليات شئونها ، وإنما هو من حيث المصاديق والموارد وبعبارة أخرى يحتاج الإنسان في حياته إلى غذاء يتغذى به ، ولباس يلبسه ، ودار يقطن فيه ويسكنه ، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله وتنقلها من مكان إلى مكان ، ومجتمع يعيش بين أفراده ، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية وعملية وغير ذلك ، وهذه حاجة كلية غير متغيرة ما دام الإنسان إنسانا ذا هذه الفطرة والبنية وما دام حياته هذه الحياة الإنسانية ، والإنسان الأولي وإنسان هذا اليوم في ذلك على حد سواء.
وإنما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل التي يرفع الإنسان بها حوائجه المادية ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبه لها وبوسائل رفعها.