٣ ـ الوراثة بين الأمم المتمدنة : من خواص الروم أنهم كانوا يرون للبيت في نفسه استقلالا مدنيا يفصله عن المجتمع العام ويصونه عن نفوذ الحكومة العامة في جل ما يرتبط بأفراده من الحقوق الاجتماعية ، فكان يستقل في الأمر والنهي والجزاء والسياسة ونحو ذلك.
وكان رب البيت هو معبودا لأهله من زوجة وأولاد وعبيد ، وكان هو المالك من بينهم ولا يملك دونه أحد ما دام أحد أفراد البيت ، وكان هو الولي عليهم القيم بأمرهم باختياره المطلق النافذ فيهم ، وكان هو يعبد رب البيت السابق من أسلافه.
وإذا كان هناك مال يرثه البيت كما إذا مات بعض الأبناء فيما ملكه بإذن رب البيت اكتسابا أو بعض البنات فيما ملكته بالازدواج صداقا وأذن لها رب البيت أو بعض الأقارب فإنما كان يرثه رب البيت لأنه مقتضى ربوبيته وملكه المطلق للبيت وأهله.
وإذا مات رب البيت فإنما كان يرثه أحد أبنائه أو إخوانه ممن في وسعه ذلك وورثه الأبناء فإن انفصلوا وأسسوا بيوتا جديدة كانوا أربابها وإن بقوا في بيتهم القديم كان نسبتهم إلى الرب الجديد ( أخيهم مثلا ) هي النسبة السابقة إلى أبيهم من الورود تحت قيمومته وولايته المطلقة.
وكذا كان يرثه الأدعياء لأن الادعاء والتبني كان دائرا عندهم كما بين العرب في الجاهلية.
وأما النساء كالزوجة والبنت والأم فلم يكن يرثن لئلا ينتقل مال البيت بانتقالهن إلى بيوت أخرى بالازدواج فإنهم ما كانوا يرون جواز انتقال الثروة من بيت إلى آخر ، وهذا هو الذي ربما ذكره بعضهم فقال : إنهم كانوا يقولون بالملكية الاشتراكية الاجتماعية دون الانفرادية الفردية وأظن أن مأخذه شيء آخر غير الملك الاشتراكي فإن الأقوام الهمجية المتوحشة أيضا من أقدم الأزمنة كانوا يمتنعون من مشاركة غيرهم من الطوائف البدوية فيما حازوه من المراعي والأراضي الخصبة وحموه لأنفسهم وكانوا يحاربون عليه ويدفعون عن محمياتهم وهذا نوع من الملك العام الاجتماعي الذي مالكه هيئة المجتمع الإنساني دون أفراده ، وهو مع ذلك لا ينفي أن يملك كل فرد من المجتمع شيئا من هذا الملك العام اختصاصا.