في المجتمع ، والصبر على تحمل الأذى والسوء ، والصفح عن الإساءة قبالة الإساءة ، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تستحفظ بها حياة المجتمع ويشد بها عظمه فيقوم على ساق ، ومن لوازم هذا الإنفاق والإحسان ترك الربا ولذلك بدأ به ، وهو كالتوطئة للدعوة إلى الإحسان والإنفاق ، فقد مر في آيات الإنفاق والربا من سورة البقرة أن الإنفاق بجميع طرقه من أعظم ما يعتمد عليه بنية المجتمع ، وأنه الذي ينفخ روح الوحدة في المجتمع الإنساني فتتحد به قواه المتفرقة فتنال بذلك سعادته في الحياة ، ويقوى به على دفع كل آفة مهلكة أو موذية تقصده ، وإن الربا من أعظم ما يضاد الإنفاق في خاصته هذه.
فهذا ما يرغبهم الله فيه ثم يرغبهم في أن لا ينقطعوا عن ربهم بقواطع الذنوب والمعاصي فإن أتوا بما لا يرضاه لهم ربهم تداركوه بالتوبة والرجوع إليه ثانيا وثالثا من غير أن يكسلوا أو يتوانوا ، وبهذين الأمرين يستقيم سيرهم في صراط الحياة السعيدة فلا يضلون ولا يقفون فيهلكوا.
وهذا البيان كما ترى أحسن طريق يهدي به الإنسان إلى تكميل نفسه بعد ظهور النقص وأجود سبيل في علاج الرذائل النفسانية التي ربما دبت في النفوس المحلاة بالفضائل فأورثت السفال والسقوط وهددت بالهلكة والردى.
(تعليم القرآن وقرانه العلم بالعمل)
وهذا من دأب القرآن في تعليمه الإلهي إذ لم يزل يجعل في مدة نزولها ـ وهي ثلاث وعشرون سنة ـ لكليات تعاليمه مواد أولية حتى إذا عمل بشيء منها أخذ صورة العمل الواقع مادة لتعليمهم ثانيا فألقاها إليهم بعد إصلاح الفاسد من أجزائه وتركيبه بالصحيح الباقي ، وذم الفاسد ، والثناء على الصحيح المستقيم والوعد الجميل والشكر الجزيل لفاعله ، فكتاب الله العزيز كتاب علم وعمل لا كتاب فرض وتقدير ، ولا كتاب تعمية وتقليد.
فمثله مثل المعلم يلقي إلى تلامذته الكليات العلمية في أوجز بيان وأقصر لفظ ويأمرهم بالعمل بها ثم يأخذ ما عملوه ثانيا ويحلله إلى أوائل أجزائه من صحيح وفاسد فيبين لهم موارد النقص والقصور مشفعة بالعظة والوعيد ، ويمدح موارد الاستقامة والصحة ويقارنها بالوعد والشكر ويأمرهم بالعمل ثانيا ، وهذا فعاله حتى يكملوا في