فلا بأس به وإنما يجب على صاحب الشبهة أو النظر المخالف أن يعرض ما عنده على كتاب الله بالتدبر في بحث اجتماعي ، فإن لم يداو داءه عرضه على الرسول أو من أقامه مقامه حتى تنحل شبهته أو يظهر بطلان ما لاح له إن كان باطلا ، قال تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) : « الزمر : ١٨ ».
والحرية في العقيدة والفكر على النحو الذي بيناه غير الدعوة إلى هذا النظر وإشاعته بين الناس قبل العرض فإنه مفض إلى الاختلاف المفسد لأساس المجتمع القويم.
هذا أحسن ما يمكن أن يدبر به أمر المجتمع في فتح باب الارتقاء الفكري على وجهه مع الحفظ على حياته الشخصية ، وأما تحميل الاعتقاد على النفوس والختم على القلوب وإماتة غريزة الفكرة في الإنسان عنوة وقهرا والتوسل في ذلك بالسوط أو السيف أو بالتكفير والهجرة وترك المخالطة فحاشا ساحة الحق والدين القويم أن يرضى به أو يشرع ما يؤيده ، وإنما هو خصيصة نصرانية وقد امتلأ تاريخ الكنيسة من أعمالها وتحكماتها في هذا الباب ـ وخاصة فيما بين القرن الخامس وبين القرن السادس عشر الميلاديين ـ بما لا يوجد نظائره في أشنع ما عملته أيدي الجبابرة والطواغيت وأقساه.
ولكن من الأسف أنا معاشر المسلمين سلبنا هذه النعمة وما لزمها ( الاجتماع الفكري وحرية العقيدة ) كما سلبنا كثيرا من النعم العظام التي كان الله سبحانه أنعم علينا بها لما فرطنا في جنب الله ( و ( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) فحكمت فينا سيرة الكنيسة واستتبع ذلك أن تفرقت القلوب وظهر الفتور وتشتت المذاهب والمسالك يغفر الله لنا ويوفقنا لمرضاته ويهدينا إلى صراطه المستقيم.
١٥ ـ الدين الحق هو الغالب على الدنيا بالآخرة والعاقبة للتقوى فإن النوع الإنساني بالفطرة المودوعة فيه تطلب سعادته الحقيقية وهو استواؤه على عرش حياته الروحية والجسمية معا حياة اجتماعية بإعطاء نفسه حظه من السلوك الدنيوي والأخروي وقد عرفت أن هذا هو الإسلام ودين التوحيد.
وأما الانحرافات الواقعة في سير الإنسانية نحو غايته وفي ارتقائه إلى أوج كماله فإنما هو من جهة الخطإ في التطبيق لا من جهة بطلان حكم الفطرة ، والغاية التي يعقبها