أي مجتمع كان على ما بيدنا من تاريخ هذا النوع إلى هذا اليوم ، وهو في نفسه دليل على كونه سنة فطرية.
على أن من أقوى الدليل على ذلك كون الذكر والأنثى مجهزين بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد كما ذكرناه مرارا ، والطائفتان ( الذكر والأنثى ) في ابتغاء ذلك شرع سواء وإن زيدت الأنثى بجهاز الإرضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد.
ثم إن هناك غرائز إنسانية تنعطف إلى محبة الأولاد ، وتقبل قضاء الطبيعة بكون الإنسان باقيا ببقاء نسله ، وتذعن بكون المرأة سكنا للرجل وبالعكس ، وتحترم أصل الوراثة بعد احترامها لأصل الملك والاختصاص ، وتحترم لزوم تأسيس البيت.
والمجتمعات التي تحترم هذه الأصول والأحكام الفطرية في الجملة لا مناص لها من الإذعان بسنة النكاح على نحو الاختصاص بوجه بمعنى أن لا يختلط الرجال والنساء على نحو يبطل الأنساب وإن فرض التحفظ عن فساد الصحة العامة وقوة التوالد الذي يوجبه شيوع الزنا والفحشاء.
هذه أصول معتبرة عند جميع الأمم الجارية على سنة النكاح في الجملة سواء خصوا الواحد بالواحد ، أو جوزوا الكثير من النساء للواحد من الرجال أو بالعكس أو الكثير منهم للكثير منهن على اختلاف هذه السنن بين الأمم فإنهم مع ذلك يعتبرون النكاح بخاصته التي هي نوع ملازمة ومصاحبة بين الزوجين.
فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح ، ولا تزال ترى لهذه المباغضة آثارا بين الأمم المختلفة والمجتمعات المتنوعة حتى الأمم التي تعيش على الحرية التامة في الرجال والنساء في المواصلات والمخالطات الشهوية فإنهم متوحشون من هذه الخلاعات المسترسلة ، وتراهم يعيشون بقوانين تحفظ لهم أحكام الأنساب بوجه.
والإنسان مع إذعانه بسنة النكاح لا يتقيد فيه بحسب الطبع ، ولا يحرم على نفسه ذا قرابة أو أجنبيا ، ولا يجتنب الذكر من الإنسان أما ولا أختا ولا بنتا ولا