المستحق لها منكم من غير المستحق ، وصاحب الدرجة الرفيعة منكم من غيره؟.
وأما قوله تعالى : ( وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ) الآية ففيه تثبيت أن ظنهم ذاك كان فاسدا فإنهم كانوا يتمنون الموت قبل حضور الغزوة حتى إذا حضرت ورأوه رأي العين لم يقدموا ولم يتناولوا ما كانوا يتمنونه ، بل فشلوا وتولوا عن القتال ، فهل كان من الجائز أن يدخلوا الجنة بمجرد هذا التمني من غير أن يمتحنوا أو يمحصوا؟ أو لم يكن من الواجب أن يختبروا.
وبهذا يظهر أن في الكلام تقديرا ، والمعنى : فقد رأيتموه وأنتم تنظرون فلم تقدموا عليه ، ويمكن أن يكون قوله : تنظرون كناية عن عدم إقدامهم أي تكتفون بمجرد النظر من غير إقدام ، وفيه عتاب وتوبيخ.
(كلام في الامتحان وحقيقته)
لا ريب أن القرآن الكريم يخص أمر الهداية بالله سبحانه غير أن الهداية فيه لا تنحصر في الهداية الاختيارية إلى سعادة الآخرة أو الدنيا فقد قال تعالى فيما قال : ( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) ، : طه : ـ ٥٠ ، فعمم الهداية لكل شيء من ذوي الشعور والعقل وغيرهم ، وأطلقها أيضا من جهة الغاية ، وقال أيضا : ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) ، : الأعلى ـ ٣ ، والآية من جهة الإطلاق كسابقتها.
ومن هنا يظهر أن هذه الهداية غير الهداية الخاصة التي تقابل الإضلال فإن الله سبحانه نفاها وأثبت مكانها الضلال في طوائف والهداية العامة لا تنفي عن شيء من خلقه ، قال تعالى : ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) : الجمعة ـ ٥ ، وقال : ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) : الصف ـ ٥ ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وكذا يظهر أيضا أن الهداية المذكورة غير الهداية بمعنى إراءة الطريق العامة للمؤمن والكافر كما في قوله تعالى : ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) : الدهر ـ ٣ ، وقوله : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) : ، حم السجدة ـ ١٧ ، فإن ما في هاتين الآيتين ونظائرهما من الهداية لا يعم غير أرباب الشعور والعقل وقد عرفت أن ما في قوله : ( ثُمَّ هَدى ) وقوله : ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) عام من حيث المورد والغاية جميعا ،