بعده : ( لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ) ، فإن ظاهر السيئات في القرآن صغائر المعاصي فهم هاجروا الكبائر بالاجتناب والتوبة ، فالمهاجرة المذكورة أعم فافهم ذلك.
قوله تعالى : « لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ » إلخ ، هذا بمنزلة دفع الدخل والتقدير : هذا حال أبرار المؤمنين وهذا أجرهم ، وأما ما ترى فيه الكفار من رفاه الحال وترف الحياة ودر المعاش فلا يغرنك ذلك ( الخطاب للنبي والمقصود به الناس ) لأنه متاع قليل لا دوام له.
قوله تعالى : ( لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) إلخ ، النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وغيرهما ، والمراد بهم الأبرار بدليل ما في آخر الآية ، وهذا يؤيد ما ذكرناه من أن الآية السابقة دفع دخل.
قوله تعالى : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) إلخ ، المراد أنهم مشاركون للمؤمنين في حسن الثواب ، والغرض منه أن السعادة الأخروية ليست جنسية حتى يمنع منها أهل الكتاب وإن آمنوا بل الأمر دائر مدار الإيمان بالله وبرسله فلو آمنوا كانوا هم والمؤمنون سواء.
وقد نفي عن هؤلاء الممدوحين من أهل الكتاب ما ذمهم الله به في سوابق الآيات وهو التفريق بين رسل الله ، وكتمان ما أخذ ميثاقهم لبيانه اشتراء بآيات الله ثمنا قليلا.
(بحث فلسفي ومقايسة)
المشاهدة والتجربة تقضيان أن الرجل والمرأة فردان من نوع جوهري واحد ، وهو الإنسان فإن جميع الآثار المشهودة في صنف الرجل مشهودة في صنف المرأة من غير فرق ، وبروز آثار النوع يوجب تحقق موضوعه بلا شك ، نعم يختلف الصنف بشدة وضعف في بعض الآثار المشتركة وهو لا يوجب بطلان وجود النوعية في الفرد ، وبذلك يظهر أن الاستكمالات النوعية الميسورة لأحد الصنفين ميسورة في الآخر ، ومنها الاستكمالات المعنوية الحاصلة بالإيمان والطاعات والقربات ، وبذلك يظهر عليك أن أحسن كلمة وأجمعها في إفادة هذا المعنى قوله سبحانه : « أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ».
وإذا قايست ذلك إلى ما ورد في التوراة بان لك الفرق بين موقعي الكتابين