فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً ـ ٦. )
(بيان)
الآيات تتمة التمهيد والتوطئة التي وضعت في أول السورة لبيان أحكام المواريث وعمدة أحكام التزويج كعدد النساء وتعيين المحارم وهذان البابان من أكبر أبواب القوانين الحاكمة في المجتمع الإنساني وأعظمها ، ولهما أعظم التأثير في تكون المجتمع وبقائه فإن النكاح يتعين به وضع المواليد من الإنسان الذين هم أجزاء المجتمع والعوامل التي تكونه ، والإرث يتعلق بتقسيم الثروة الموجودة في الدنيا التي يبتني عليها بنية المجتمع في عيشته وبقائه.
وقد تعرضت الآيات في ضمن بيانها للنهي عن الزنى والسفاح والنهي عن أكل المال بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض وعند ذلك تأسس أساسان قيمان لأمر المجتمع في أهم ما يشكله وهو أمر المواليد وأمر المال.
ومن هنا يظهر وجه العناية بالتمهيد المسوق لبيان هذه الأحكام التي تعلقت بالاجتماع الإنساني ونشبت في أصوله وجذوره. وصرف الناس عما اعتادت عليه جماعتهم ، والتحمت عليه أفكارهم ، ونبتت عليه لحومهم ، ومات عليه أسلافهم ، ونشأ عليه أخلافهم عسير كل العسر.
وهذا شأن ما شرع في صدر هذه السورة من الأحكام المذكورة ، يتضح ذلك بتأمل إجمالي في وضع العالم الإنساني يومئذ بالعموم وفي وضع العالم العربي و ( دارهم دار نزول القرآن وظهور الإسلام ) بالخصوص ، وفي كيفية تدرج القرآن في نزوله وظهور الأحكام الإسلامية في تشريعها.
(كلام في الجاهلية الأولى)
القرآن يسمي عهد العرب المتصل بظهور الإسلام بالجاهلية ، وليس إلا إشارة منه إلى أن الحاكم فيهم يومئذ الجهل دون العلم ، والمسيطر عليهم في كل شيء الباطل