الصنع والإيجاد لا بد أن تقع يوما معجلا أو على مهل ، قال تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( يريد أنهم لا يعلمون ذلك علما تفصيليا وإن علمته فطرتهم إجمالا ) ، « إلى أن قال : ( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ، » إلى أن قال : ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) : « الروم : ٣٠ ٤١ » ، وقال تعالى : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) : « المائدة : ٥٤ » ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) : « الأنبياء : ١٠٥ » وقال تعالى : ( وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ) : « طه : ١٣٢ » فهذه وأمثالها آيات تخبرنا أن الإسلام سيظهر ظهوره التام فيحكم على الدنيا قاطبة.
ولا تصغ إلى قول من يقول : إن الإسلام وإن ظهر ظهورا ما وكانت أيامه حلقة من سلسلة التاريخ فأثرت أثرها العام في الحلقات التالية واعتمدت عليها المدنية الحاضرة شاعرة بها أو غير شاعرة لكن ظهوره التام أعني حكومة ما في فرضية الدين بجميع موادها وصورها وغاياتها مما لا يقبله طبع النوع الإنساني ولن يقبله أبدا ولم يقع عليه بهذه الصفة تجربة حتى يوثق بصحة وقوعه خارجا وحكومته على النوع تامة.
وذلك أنك عرفت أن الإسلام بالمعنى الذي نبحث فيه غاية النوع الإنساني وكماله الذي هو بغريزته متوجه إليه شعر به تفصيلا أو لم يشعر والتجارب القطعية الحاصلة في أنواع المكونات يدل على أنها متوجهة إلى غايات مناسبة لوجوداتها يسوقها إليها نظام الخلقة ، والإنسان غير مستثنى من هذه الكلية.
على أن شيئا من السنن والطرائق الدائرة في الدنيا الجارية بين المجتمعات الإنسانية لم يتك في حدوثه وبقائه وحكومته على سبق تجربة قاطعة فهذه شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ظهرت حينما ظهرت ثم جرت بين الناس ، وكذا ما أتى به برهما وبوذا وماني وغيرهم ، وتلك سنن المدنية المادية كالديمقراطية والكمونيسم وغيرهما كل ذلك جرى في المجتمعات الإنسانية المختلفة بجرياناتها المختلفة من غير سبق تجربة.
وإنما تحتاج السنن الاجتماعية في ظهورها ورسوخها في المجتمع إلى عزائم قاطعة وهمم عالية من نفوس قوية لا يأخذها في سبيل البلوغ إلى مآربها عي ولا نصب ، ولا