فنهم ويسعدوا في جدهم.
وهذا الذي ذكرناه من الحقائق القرآنية اللائحة للمتدبر الدقيق في بادئ مرة فتراه سبحانه ينزل كليات الجهاد مثلا في آياته بادئ مرة : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ ) الآيات : « البقرة » ٢١٦ ويأمر المؤمنين به فيها ثم يأخذ قصة بدر ثانيا ويأمرهم بما يبين لهم فيها ثم قصة أحد ثم قصة أخرى وهكذا ، وتراه سبحانه يقص قصص السابقين من الأنبياء وأممهم ثم يجعلها بعد إصلاحها وبيان وجه الحق فيها عبرة للاحقين ودستورا لعملهم وهكذا ، وقد نزل في هذه الآيات من هذا القبيل قوله : ( فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ) الآية ، وقوله : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ ) الآيات ..
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا » إلى آخر الآيات الثلاث قد مر سابقا وجه إطلاق الأكل وإرادة الأخذ ، وقوله : ( أَضْعافاً مُضاعَفَةً ) يشير إلى الوصف الغالب في الربا فإنه بحسب الطبع يتضاعف فيصير المال أضعافا مضاعفة بإنفاد مال الغير وضمه إلى رأس المال الربوي.
وفي قوله : ( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) ، إشارة إلى كفر آكل الربا كما مر في سورة البقرة في آيات الربا : ( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) : « البقرة : ٢٧٦ ».
قوله تعالى : « سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ » ، المسارعة هي الاشتداد في السرعة وهي ممدوحة في الخيرات ، ومذمومة في الشرور.
وقد قورن في القرآن الكريم المغفرة بالجنة في غالب الموارد ، وليس إلا لأن الجنة دار طهارة لا يدخل فيها قذارات المعاصي والذنوب وأدرانها ، ولا من تقذر بها إلا بعد المغفرة والإزالة.
والمغفرة والجنة المذكورتان في هذه الآية تحاذيان ما في الآيتين التاليتين ، أما المغفرة فتحاذي ما في قوله : ( وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ) ، وأما الجنة فتحاذي ما في قوله : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ).
وأما قوله : ( جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ) ، فالمراد بالعرض السعة وهو استعمال شائع ، وكان التعبير كناية عن بلوغها في السعة غايتها أو ما لا يحدها الوهم البشري ، وله معنى آخر سنشير إليه في البحث الروائي الآتي.