الدنيا وهي السعادة عندهم ، لكن الإسلام لما كان يرى أن الحياة الإنسانية أوسع مدارا من الحياة الدنيا المادية بل في مدار حياته الحياة الأخروية التي هي الحياة ، ويرى أن هذه الحياة لا تنفع فيها إلا المعارف الإلهية التي تنحل بجملتها إلى التوحيد ، ويرى أن هذه المعارف لا تنحفظ إلا بمكارم الأخلاق وطهارة النفس من كل رذيلة ، ويرى أن هذه الأخلاق لا تتم ولا تكمل إلا بحياة اجتماعية صالحة معتمدة على عبادة الله سبحانه والخضوع لما تقتضيه ربوبيته ومعاملة الناس على أساس العدل الاجتماعي أخذ ( أعني الإسلام ) الغاية التي يتكون عليها المجتمع البشري ويتوحد بها دين التوحيد ثم وضع القانون الذي وضعه على أساس التوحيد ، ولم يكتف فيه على تعديل الإرادات والأفعال فقط بل تممه بالعباديات وأضاف إليها المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة.
ثم جعل ضمان إجرائها في عهدة الحكومة الإسلامية أولا ، ثم في عهدة المجتمع ثانيا ، وذلك بالتربية الصالحة علما وعملا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن أهم ما يشاهد في هذا الدين ارتباط جميع أجزائه ارتباطا يؤدي إلى الوحدة التامة بينها بمعنى أن روح التوحيد سارية في الأخلاق الكريمة التي يندب إليها هذا الدين ، وروح الأخلاق منتشرة في الأعمال التي يكلف بها أفراد المجتمع ، فالجميع من أجزاء الدين الإسلامي ترجع بالتحليل إلى التوحيد ، والتوحيد بالتركيب يصير هو الأخلاق والأعمال ، فلو نزل لكان هي ولو صعدت لكانت هو ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.
فإن قلت : ما أورد من النقص على القوانين المدنية فيما إذا عصت القوة المجرية عن إجرائها أو فيما يخفى عليها من الخلاف مثلا وارد بعينه على الإسلام وأوضح الدليل عليه ما نشاهده من ضعف الدين وزوال سيطرته على المجتمع الإسلامي ، وليس إلا لفقدانه من يحمل نواميسه على الناس يوما!.
قلت : حقيقة القوانين العامة سواء كانت إلهية أو بشرية ليست إلا صورا ذهنية في أذهان الناس وعلوما تحفظها الصدور وإنما ترد مورد العمل وتقع موقع الحس بالإرادات الإنسانية تتعلق بها ، فمن الواضح أن لو عصت الإرادات لم توجد في الخارج ما تنطبق عليه القوانين ، وإنما الشأن فيما يحفظ به تعلق هذه الإرادات بالوقوع