السابقة من هذا الكتاب ، قال تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) : الروم : ٣٠.
وحاصلة : أن سلسلة الأسباب الواقعية التكوينية تعاضدت على إيجاد النوع الإنساني في ذيلها وتوفرت على سوقه نحو الغاية الحيوية التي هيئت له فيجب له أن يبني حياته في ظرف الكدح والاختيار على موافقة الأسباب فيما تريد منه وتسوقه إليه حتى لا تناقضها حياته فيؤديه ذلك إلى الهلاك والشقاء وهذا ( لو تفهمه المتوهم ) هو الدين الإسلامي بعينه ولما كان هناك فوق الأسباب سبب وحيد هو الموجد لها المدبر لأمرها فيما دق وجل وهو الله سبحانه الذي هو السبب التام فوق كل سبب بتمام معنى الكلمة كان الواجب على الإنسان الإسلام له والخضوع لأمره وهذا معنى كون التوحيد هو الأساس الوحيد للدين الإسلامي.
ومن هنا يظهر أن حفظ كلمة التوحيد والإسلام لله وابتغاء وجهه في الحياة جرى على موافقة الأسباب طرا وإعطاء كل ذي حق منها حقه من غير شرك ولا غفلة فعند المرء المسلم غايات وأغراض دنيوية وأخرى أخروية وله مقاصد مادية وأخرى معنوية لكنه لا يعتنى في أمرها بأزيد مما ينبغي من الاعتناء والاهتمام ولذلك بعينه نرى أن الإسلام يندب إلى توحيد الله سبحانه والانقطاع إليه والإخلاص له والإعراض عن كل سبب دونه ومبتغي غيره ومع ذلك يأمر الناس باتباع نواميس الحياة والجري على المجاري الطبيعية.
ومن هنا يظهر أن أفراد المجتمع الإسلامي هم السعداء بحقيقة السعادة في الدنيا وفي الآخرة وأن غايتهم وهو ابتغاء وجه الله في الأعمال لا تزاحم سائر الغايات الحيوية إذا ظهرت واستوثرت.
ومن هنا يظهر أيضا فساد توهم آخر وهو الذي ذكره جمع من علماء الاجتماع من الباحثين أن حقيقة الدين والغرض الأصلي منه هو إقامة العدالة الاجتماعية والعباديات فروع متفرعة عليها فالذي يقيمها فهو على الدين ولو لم يتلبس بعقيدة ولا عبودية.
والباحث المتدبر في الكتاب والسنة وخاصة في السيرة النبوية لا يحتاج في الوقوف على بطلان هذا التوهم إلى مئونة زائدة وتكلف استدلال على أن هذا الكلام الذي