والنماء في هذه الخلال التي لا حكومة فيها بحسب الطبع إلا للتعقل وكلما زاد فيها دبيب العواطف زادت خيبة وخسرانا.
وهذا وأمثاله من أقطع الأجوبة للنظرية المشهورة القائلة إن السبب الوحيد في تأخر النساء عن الرجال في المجتمع الإنساني هو ضعف التربية الصالحة فيهن منذ أقدم عهود الإنسانية ، ولو دامت عليهن التربية الصالحة الجيدة مع ما فيهن من الإحساسات والعواطف الرقيقة لحقن الرجال أو تقدمن عليهم في جهات الكمال.
وهذا الاستدلال أشبه بالاستدلال بما ينتج نقيض المطلوب فإن اختصاصهن بالعواطف الرقيقة أو زيادتها فيهن هو الموجب لتأخرهن فيما يحتاج من الأمور إلى قوة التعقل وتسلطه على العواطف الروحية الرقيقة كالحكومة والقضاء ، وتقدم من يزيد عليهن في ذلك وهم الرجال فإن التجارب القطعية تفيد أن من اختص بقوة صفة من الصفات الروحية فإنما تنجح تربيته فيما يناسبها من المقاصد والمآرب ، ولازمه أن تنجح تربية الرجال في أمثال الحكومة والقضاء ويمتازوا عنهن في نيل الكمال فيها ، وأن تنجح تربيتهن فيما يناسب العواطف الرقيقة ويرتبط بها من الأمور كبعض شعب صناعة الطب والتصوير والموسيقى والنسج والطبخ وتربية الأطفال وتمريض المرضى وأبواب الزينة ونحو ذلك ، ويتساوى القبيلان فيما سوى ذلك.
على أن تأخرهن فيما ذكر من الأمور لو كان مستندا إلى الاتفاق والصدفة كما ذكر لانتقض في بعض هذه الأزمنة الطويلة التي عاش فيها المجتمع الإنساني وقد خمنوها بملايين من السنين كما أن تأخر الرجال فيما يختص من الأمور المختصة بالنساء كذلك ولو صح لنا أن نعد الأمور اللازمة للنوع غير المنفكة عن مجتمعهم وخاصة إذا ناسبت أمورا داخلية في البنية الإنسانية من الاتفاقيات لم يسع لنا أن نحصل على خلة طبيعية فطرية من خلال الإنسانية العامة كميل طباعه إلى المدنية والحضارة ، وحبه للعلم ، وبحثه عن أسرار الحوادث ونحو ذلك فإن هذه صفات لازمة لهذا النوع وفي بنية أفراده ما يناسبها من القرائح نعدها لذلك صفات فطرية نظير ما نعد تقدم النساء في الأمور الكمالية المستظرفة وتأخرهن في الأمور التعقلية والأمور الهائلة والصعبة الشديدة من مقتضى قرائحهن ، وكذلك تقدم الرجال وتأخرهم في عكس ذلك.
فلا يبقى بعد ذلك كله إلا انقباضهن من نسبة كمال التعقل إلى الرجال وكمال