بخلاف الوصف فإنه يدل على استقرار التلبس وصيرورة المعنى الوصفي ملكة لا تفارق الإنسان ، ففرق بين قولنا : الذين أشركوا ، والذين صبروا ، والذين ظلموا ، والذين يعتدون ، وبين قولنا. المشركين ، والصابرين ، والظالمين ، والمعتدين ، فالشاكرون هم الذين ثبت فيهم وصف الشكر واستقرت فيهم هذه الفضيلة ، وقد بان أن الشكر المطلق هو أن لا يذكر العبد شيئا « وهو نعمة » إلا وذكر الله معه ، ولا يمس شيئا « وهو نعمة » إلا ويطيع الله فيه.
فقد تبين أن الشكر لا يتم إلا مع الإخلاص لله سبحانه علما وعملا ، فالشاكرون هم المخلصون لله ، الذين لا مطمع للشيطان فيهم.
ويظهر هذه الحقيقة مما حكاه الله تعالى عن إبليس ، قال تعالى : « قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » : ـ ص ـ ٨٣ ، وقال تعالى : « قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ » الحجر ـ ٤٠ ، فلم يستثن من إغوائه أحدا إلا المخلصين ، وأمضاه الله سبحانه من غير رد ، وقال تعالى : « قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » : الأعراف ـ ١٧ ، وقوله : ولا تجد إلخ بمنزلة الاستثناء فقد بدل المخلصين بالشاكرين ، وليس إلا لأن الشاكرين هم المخلصون الذين لا مطمع للشيطان فيهم ، ولا صنع له لديهم ، وإنما صنعه وكيده إنساء مقام الربوبية والدعوة إلى المعصية.
ومما يؤيد ذلك من هذه الآيات النازلة في غزوة أحد قوله تعالى فيما سيأتي من الآيات : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) ، مع قوله في هذه الآية التي نحن فيها : ( وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ، وقوله فيما بعدها : ( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) ، وقد عرفت أنه في معنى الاستثناء.
فتدبر فيها واقض عجبا مما ربما يقال : إن الآية أعني قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ ) ناظرة إلى ما روي : أن الشيطان نادى يوم أحد : « ألا قد قتل محمد » فأوجب ذلك وهن المؤمنين وتفرقهم عن المعركة! فاعتبر إلى أي مهبط أهبط كتاب الله من أوج حقائقه ومستوى معارفه العالية؟.