نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ » وعن دعوته إياهم إلى الإيمان والطاعة بقولهم : « وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ » فآيسوه في كلتا المسألتين.
ثم ذكروا له ما ارتأوا فيه من الرأي لييأس من إجابتهم بالمرة فقالوا : « إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ » والاعتراء الاعتراض والإصابة يقولون : إنما نعتقد في أمرك أن بعض آلهتنا أصابك بسوء كالخبل والجنون لشتمك إياها وذكرك لها بسوء فذهب بذلك عقلك فلا يعبأ بما تفوهت به في صورة الدعوة.
قوله تعالى : « قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ » أجاب هود عليهالسلام عن قولهم بإظهار البراءة من شركائهم من دون الله ثم التحدي عليهم بأن يكيدوا به جميعا ولا ينظروه.
فقوله : « أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ » إنشاء وليس بإخبار كما هو المناسب لمقام التبري ، ولا ينافي ذلك كونه بريئا من أول أمره فإن التبرز بالبراءة لا ينافي تحققها من قبل ، وقوله : « فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ » أمر ونهي تعجيزيان.
وإنما أجاب عليهالسلام بما أجاب ليشاهد القوم من آلهتهم أنها لا تمسه عليهالسلام بسوء مع تبرزه بالبراءة ، ولو كانت آلهة ذات علم وقدرة لقهرته وانتقمت منه لنفسها كما ادعوا أن بعض آلهتهم اعتراه بسوء وهذه حجة بينة على أنها ليست بآلهة وعلى أنها لم تعتره بسوء كما ادعوه ، ثم يشاهدوا من أنفسهم أنهم لا يقدرون عليه بقتل أو تنكيل مع كونهم ذوي شدة وقوة لا يعادلهم غيرهم في الشدة والبطش ، ولو لا أنه نبي من عند الله صادق في ما يقوله مصون من عند ربه لقدروا عليه بكل ما أرادوه من عذاب أو دفع.
ومن هنا يظهر وجه إشهاده عليهالسلام في تبريه ربه سبحانه وقومه أما إشهاده الله فليكون تبريه على حقيقته وعن ظهر القلب من غير تزويق ونفاق ، وأما إشهاده إياهم فليعلموا به ثم يشاهدوا ما يجري عليه الأمر من سكوت آلهتهم وعجز أنفسهم من الانتقام منه ومن تنكيله.
وظهر أيضا صحة ما احتمله بعضهم أن هذا التعجيز هو معجزة هود عليهالسلام وذلك أن ظاهر الجواب أن يقطع به ما ذكر من الرد في صورة الحجة ، وفيها