وقولهم : « أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا » استفهام إنكاري بداعي المذمة والملامة ، والاستفهام في مقام التعليل لما قبله محصله أن سبب يأسهم منك اليوم أنك تنهاهم من إقامة سنة من سنن مليتهم وتمحو أظهر مظاهر قوميتهم فإن اتخاذ الأوثان من سنن هذا المجتمع المقدسة ، واستمرار إقامة السنن المقدسة من المجتمع دليل على أنهم ذوو أصل عريق ثابت ، ووحدة قومية لها استقامة في الرأي والإرادة.
والدليل على ما ذكرنا قوله : « أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا » الدال على معنى العبادة المستمرة باتصال عبادة الأبناء بعبادة الآباء ولم يقل : أتنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا؟ والفرق بين التعبيرين من جهة المعنى واضح.
ومن هنا يظهر أن تفسير بعض المفسرين كصاحب المنار وغيره قوله : « أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا » بقولهم : « أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا » من الخطإ.
وقوله : « وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ » حجة ثانية لهم في رد دعوة صالح عليهالسلام ، وحجتهم الأولى ما يتضمنه صدر الآية ومحصلها أن ما تدعو إليه من رفض عبادة الأصنام بدعة منكرة تذهب بسنة ثمود المقدسة وتهدم بنيان مليتهم ، وتميت ذكرهم فعلينا أن نرده ، والثانية أنك لم تأت بحجة بينة على ما تدعو إليه تورث اليقين وتميط الشك عنا فنحن في شك مريب مما تدعونا إليه وليس لنا أن نقبل ما تندب إليه على شك منا فيه.
والإرابة الاتهام وإساءة الظن يقال : رابني منه كذا إذا أوجب فيه الشك وأرابني كذا إرابة إذا حملك على اتهامه وسوء الظن به.
قوله تعالى : « قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً » إلى آخر الآية. المراد بالبينة الآية المعجزة وبالرحمة النبوة ، وقد تقدم الكلام في نظير الآية من قصة نوح عليهالسلام في السورة.
وقوله : « فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ » جواب الشرط ، وحاصل المعنى : أخبروني إن كنت مؤيدا بآية معجزة تنبئ عن صحة دعوتي وأعطاني الله الرسالة فأمرني بتبليغ رسالته فمن ينجني من الله ويدفع عني إن أطعتكم فيما تسألون ووافقتكم فيما تريدونه مني وهو ترك الدعوة.