وقوله : « فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ » أي ما أبطأ في أن قدم إليهم عجلا مشويا يقطر ماء وسمنا وأسرع في ذلك.
قوله تعالى : « فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً » عدم وصول أيديهم إليه كناية عن أنهم ما كانوا يمدون أيديهم إلى الطعام ، وذلك أمارة العداوة وإضمار الشر ، ونكرهم وأنكرهم بمعنى واحد وإنما كان أنكرهم لإنكاره ما شاهد منهم من فعل غير معهود.
والإيجاس الخطور القلبي ، قال الراغب : الوجس الصوت الخفي ، والتوجس التسمع ، والإيجاس وجود ذلك النفس قال : وأوجس منهم خيفة ، والواجس قالوا : هو حالة تحصل من النفس بعد الهاجس لأن الهاجس مبتدأ التفكير ثم يكون الواجس الخاطر. انتهى. فالجملة من الكناية كان لطروق الخيفة ـ وهو النوع من الخوف ـ وخطوره في النفس صوتا تسمع بالسمع القلبي ، والمراد أنه استشعر في نفسه خوفا ولذلك أمنوه وطيبوا نفسه بقولهم : « لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ ».
ومعنى الآية أن إبراهيم عليهالسلام لما قدم إليهم العجل المشوي رآهم لا يأكلون منه كالممتنع من الأكل ـ وذلك أمارة الشر ـ استشعر في نفسه منهم خوفا قالوا تأمينا له وتطييبا لنفسه : لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط فعلم أنهم من الملائكة الكرام المنزهين من الأكل والشرب وما يناظر ذلك من لوازم البدن المادية ، وأنهم مرسلون لخطب جليل.
ونسبة استشعار الخوف إلى إبراهيم عليهالسلام لا ينافي ما كان عليه من مقام النبوة الملازم للعصمة الإلهية من المعصية والرذائل الخلقية فإن مطلق الخوف وهو تأثر النفس عن مشاهدة المكروه التي تبعثها إلى التحذر منه والمبادرة إلى دفعه ليس من الرذائل ، وإنما الرذيلة هي التأثر الذي يستوجب بطلان مقاومة النفس وظهور العي والفزع والذهول عن التدبير لدفع المكروه وهو المسمى بالجبن كما أن عدم التأثر عن مشاهدة المكروه مطلقا وهو المسمى تهورا ليس من الفضيلة في شيء.
وذلك أن الله سبحانه لم يخلق هذه الحالات النفسانية التي تظهر في النفوس