مرد صبيحي المنظر وكان قومه ذوي حرص شديد على إتيان الفحشاء ما كان من المترقب أن يعرضوا عنهم ويتركوهم على حالهم ، ولذلك لم يملك لوط نفسه دون أن قال : « هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ » أي شديد ملتف بعض شره ببعض.
قوله تعالى : « وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ » قال الراغب : يقال : هرع وأهرع ساقه سوقا بعنف وتخويف ، انتهى. وعن كتاب العين ، الإهراع السوق الحثيث ، انتهى.
وقوله : « وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ » أي ومن قبل ذلك كانوا يقترفون المعاصي ويأتون بالمنكرات فكانوا مجترئين على إيقاع الفحشاء معتادين بذلك لا ينصرفون عنه بصارف ، ولا يحجبهم عن ذلك استحياء أو استشناع ، ولا ينزجرون بموعظة أو ملامة أو مذمة لأن العادة تسهل كل صعب وتزين كل قبيح ووقيح.
والجملة كالمعترضة بين قوله : « وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ » وقوله : « قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي » إلخ ، وهي نافعة في مضمون طرفيها أما فيما قبلها فإنها توضح أن الذي كان يهرعهم ويسوقهم إلى لوط عليهالسلام هو أنهم كانوا يعملون السيئات وصاروا بذلك معتادين على إتيان الفحشاء ولعين به فساقهم ذلك إلى المجيء إليه وقصد السوء بأضيافه.
وأما فيما بعدها فإنها تفيد أنهم لرسوخ الملكة واستقرار العادة سلبوا سمع القبول وأن يزجرهم زاجر من عظة أو نصيحة ، ولذلك بدأ لوط في تكليمهم بعرض بناته عليهم ثم قال لهم : « فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي » إلخ.
قوله تعالى : « قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ » إلى آخر الآية ، لما رآهم تجمعوا على الشر لا يصرفهم عن ذلك مجرد القول بعظة أو أغلاظ في الكلام أراد أن يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء مما لا معصية فيه من الحلال فعرض بناته عليهم ورجحه لهم بأنهن أطهر لهم.
وإنما المراد بصيغة التفضيل ـ أطهر ـ مجرد الاشتمال على الطهارة من غير شوب بقذارة ، والمراد هي طهارة محضا ، وهو استعمال شائع ، قال تعالى : « ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ » الجمعة : ـ ١١ ، وقال « وَالصُّلْحُ خَيْرٌ » النساء : ـ ١٢٨. وتفيد معنى الأخذ بالمتيقن.