وتقييد قوله : « هؤُلاءِ بَناتِي » بقوله : « هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ » شاهد صدق على أنه إنما عرض لهم مسهن عن نكاح لا عن سفاح وحاشا مقام نبي الله عن ذلك ، وذلك لأن السفاح لا طهارة فيه أصلا وقد قال تعالى : « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً » إسراء : ـ ٣٢ ، وقال : « وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » الأنعام : ـ ١٥١ ، وقد تقدم في تفسير هذه الآية أن ما تتضمنه هو من الأحكام العامة المشرعة في جميع الشرائع الإلهية النازلة على أنبيائه.
ومن هنا يظهر فساد قول من يقول : إنه عرض عليهم بناته من غير تقييده بنكاح. ولست أدري ما معنى علاج فحشاء بفحشاء غيرها؟ وما معنى قوله حينئذ : « فَاتَّقُوا اللهَ »؟ ولو كان يريد دفع الفضيحة والعار عن نفسه فقط لاكتفى بقوله : « وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ».
وربما قيل : إن المراد بقوله : « هؤُلاءِ بَناتِي » الإشارة إلى نساء القوم لأن النبي أبو أمته فنساؤهم بناته كما أن رجالهم بنوه ، يريد أن قصد الإناث وهو سبيل فطري خير لكم وأطهر من قصد الذكور من طريق الفحشاء.
وهو تحكم لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة ، وأما كونهم كفارا وبناته مسلمات ولا يجوز إنكاح المسلمة من الكافر فليس من المعلوم أن ذلك من شريعة إبراهيم حتى يتبعه لوط عليهالسلام فمن الجائز أن يكون تزويج المؤمنة بالكافر جائزا في شرعه كما أنه كان جائزا في صدر الإسلام ، وقد زوج النبي صلىاللهعليهوآله بنته من أبي العاص بن الربيع وهو كافر قبل الهجرة ثم نسخ ذلك.
على أن قولهم في جوابه : « لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ » لا يلائم كون المراد بالبنات في كلامه إنما هي نساؤهم لا بناته من صلبه فإنهم ما كانوا مؤمنين به حتى يعترفوا بكون نسائهم بناته إلا أن يكون المراد التهكم ولا قرينة عليه.
لا يقال تعبيره عليهالسلام بالبنات وليس له عندئذ إلا بنتان يدل على أن مراده بناته من نساء أمته لا بنتاه غير الصادق عليه لفظ الجمع.
لأنا نقول : لا دليل على ذلك من كلامه تعالى ولا وقع ذلك في نقل يعتمد عليه ، نعم وقع في التوراة الحاضرة أنه كان للوط بنتان فقط. ولا اعتماد على ما تتضمنه.