والتطفيف ردوه بأن ذلك اقتراح منه مخالف لما هم عليه من الحرية الإنسانية التي تسوغ لهم أن يعبدوا من شاءوا ويفعلوا في أموالهم ما شاءوا.
فرد عليهم شعيب عليهالسلام بأن الذي يدعوهم إليه ليس من قبل نفسه حتى ينافي مسألتهم ذلك حريتهم ويبطل به استقلالهم في الشعور والإرادة بل هو رسول من ربهم إليهم وله على ذلك آية بينة ، والذي أتاهم به من عند الله الذي يملكهم ويملك كل شيء وهم عباده لا حرية لهم قباله ، ولا خيرة لهم فيما يريده منهم.
على أن الذي ألقاه إليهم من الأمور التي فيها صلاح مجتمعهم وسعادة أنفسهم في الدنيا والآخرة ، وأمارة ذلك أنه لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه بل هو مثلهم في العمل به ، وإنما يريد الإصلاح ما استطاع ، ولا يريد منهم على ذلك أجرا إن أجره إلا على رب العالمين.
وقوله : « وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » في مقام الاستثناء من الاستطاعة فإنه عليهالسلام لما ذكر لهم أنه يريد إصلاح مجتمعهم بالعلم النافع والعمل الصالح على مقدار ما له من الاستطاعة وفي ضوئها أثبت لنفسه استطاعة وقدرة وليست للعبد باستقلاله وحيال نفسه استطاعة دون الله سبحانه أتم ما في كلامه من النقص والقصور بقوله : « وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ » أي إن الذي يترشح من إرادتي باستطاعة مني من تدبير أمور مجتمعكم وتوفيق الأسباب بعضها ببعض الناتجة لسعادته إنما هو بالله سبحانه لا غنى عنه ولا مخرج من إحاطته ولا استقلال في أمر دونه فهو الذي أعطاني ما هو عندي من الاستطاعة ، وهو الذي يوفق الأسباب من طريق استطاعتي فاستطاعتي منه وتوفيقي به.
بين عليهالسلام هذه الحقيقة ، واعترف بأن توفيقه بالله ، وذلك من فروع كونه تعالى هو الفاطر لكل نفس والحافظ عليها والقائم على كل نفس بما كسبت كما قال : « الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » الفاطر : ـ ١ ، وقال : « وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ » السبأ : ـ ٢١ ، وقال : « أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ » الرعد : ـ ٣٣ ، وقال : « إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا » الفاطر : ـ ٤١ ومحصله أنه تعالى هو الذي أبدع الأشياء وأعمالها والروابط التي بينها وأظهرها بالوجود ،