المؤمنين جالس على فراشه ، وعليه سواده وطيلسانه (١) والطويلة وعمامته ، فوقفنا وسلمنا ، فرد السلام وأمر لنا بالجلوس ، فلما استقربنا المجلس انحد عن فاشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته (٢) ثم أقبل علينا ، فقال : إنما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك ، وأما الخف فمنع من خلعه علة ، من قد عرفها منكم فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فسأعرفه بها ، ومد رجله ، وقال : انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم.
قال : فأمسكنا فقال لنا يحيى : انتهوا إلي ما أمركم به أمير المؤمنين فتنحينا فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانستنا ورجعنا ، فلما استقر بنا المجلس قال : إنما بعثت إليكم معشر القوم في المناظرة ، فمن كان به شئ من الأخبثين (٣) لم ينفع بنفسه ولم يفقه ما يقول فمن أراد منكم الخلاء فهناك ، وأشار بيده ، فدعونا له ، ثم ألقى مسألة من الفقه.
فقال : يا محمد ، قل ، وليقل القوم من بعدك ، فأجابه يحيى ، ثم الذي يلي يحيى ، ثم الذي يليه ، حتي أجاب آخرنا ، في العلة وعلة وهو مطرق لا يتكلم ، حتى إذا انقطع الكلام التفت إلى يحيى.
فقال : يا أبا محمد ، أصبت الجواب وتركت الصواب في العلة. ثم لم يزل يرد على كل واحد منا مقالته ، ويخطئ بعضنا ويصوب بعضنا ، حتى إتى على آخرنا.
ثم قال : إني لم أبعث فيكم لهذا ، ولكنني أحببت إن أنبئكم أن أمير
__________________
(١) الطيلسان : ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف ، أو يحيط بالبدن ، خال عن التفصيل والخياطة.
(٢) القلنسوة : لباس للراس مختلف الانواع والاشكال.
(٣) الاخبثين : البول والغائط.