وقال رجل من طياب الشيعة كان حاضرا : عافاك الله أي دليل هذا؟ وكيف يعتمد عليه وأنت تعلم أن الأنسان قد يغضب فيقول : لو سامني السلطان هذا الأمر ما قبلته ، وإن عندنا لشيخا ضعيف الجسم ، ظاهر الجبن ، يصلي بنا في مسجدنا فما يحدث أمر يضجره وينكره إلا قال : والله لأصبرن على هذا أو لأجاهدن فيه ولو اجتمعت فيه ربيعة ومضر!. فقال : ليس الدليل على الشجاعة ما ذكرت دون غيره ، والذي اعتمدنا عليه يدل كما يدل الفعل والخبر ، ووجه الدلالة فيه أن أبا بكر باتفاق لم يكن مؤوف العقل ، ولا غبيا ناقصا ، بل كان بالأجماع من العقلاء ، وكان بالاتفاق جيد الاراء ، فلو لا أنه كان واثقا من نفسه عالما بصبره وشجاعته لما قال هذا القول بحضرة المهاجرين والأنصار وهو لا يأمن أن يقيم القوم على خلافه فيخذلونه ، ويتأخرون عنه ويعجز هو لجبنه أن لو كان الأمر على ما ادعيتموه عليه فيظهر منه الخلف في قوله ، وليس يقع هذا من عاقل حكيم ، فلما ثبتت حكمة أبي بكر دل مقاله الذي حكيناه على شجاعته كما وصفناه.
فقال الشيخ ـ أدام الله عزه ـ : ليس تسليمنا لعقل أبي بكر وجودة رأيه تسليما لما ادعيت من شجاعته بما رويت عنه من القول ، ولا يوجب ذلك في عرف ولا عقل ولا سنة ولا كتاب ، وذلك أنه وإن كان ما ذكرت من الحكمة فليس يمنع أن يأتي بهذا القول من جبنه وخوفه وهلعه ليشجع أصحابه ، ويحض (١) المتأخرين عنه على نصرته ، ويحثهم على جهاد عدوه ، ويقوي عزمهم في معونته ، ويصرفهم عن رأيهم خذلانه ،
__________________
(١) حضه على الأمر : حمله عليه وأغراه به.