على الضمائر جلت عظمته ، فيعلم خلقه حال الشجاع وإن لم يبد منه فعل يستدل به عليها.
والوجه الاخر : أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الأقران ، ومقاومة الشجعان ، ومنازلة الأبطال ، والصبر عند اللقاء ، وترك الفرار عند تحقق القتال ، ولا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة (١) ، ولا بواحدة من الفعل حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا ، أو على سبيل الهوج (٢) والجهل بالتدبير ، وإذا كان الخبر عن الله سبحانه بشجاعة أبي بكر معدوما وكان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس من دلالتها في شئ عند أحد من أهل النظر والتحصيل؟ لاسيما ودلائل جبنه وهلعه (٣) وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل ، وذلك أنه لم يبارز قط قرنا (٤) ولا قاوم بطلا ولا سفك بيده دما ، وقد شهد مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ مشاهده ، فكان لكل أحد من الصحابة أثر في الجهاد إلا له ، وفر في يوم أحد ، وانهزم في يوم خيبر ، وولى الدبر يوم التقى الجمعان ، وأسلم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في هذه المواطن مع ما كتب الله عز وجل عليه من الجهاد! فكيف تجتمع دلائل الجبن ودلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لو لا أن العصبية تميل بالعبد إلى الهوى؟
__________________
(١) يقال : لقيته أول وهلة أو واهلة أي أول شئ.
(٢) الهوج محركة : الطيش والتسرع.
(٣) الهلع : الجبن عند اللقاء.
(٤) القرن بالكسر : نظيرك في الشجاعة أو العلم.