لأنهما كانا مع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في مستقره يدبران الأمر معه ولو لا أنهما أفضل الخلق عنده لما اختصهما بالجلوس معه ، فبأي شئ يدفع هذا؟
فقال له الشيخ ـ ادام الله عزه ـ : سبيل هذا القول أن يعكس وهذه القصة أن تقلب وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لو علم أنهما لو كانا في جملة المجاهدين بأنفسهما يبارزان الأقران ويقتلان الأبطال ويحصل لهما جهاد يستحقان به الثواب ، لما حال بينهما وبين هذه المنزلة التي هي أجل وأشرف وأعلى وأسنى من القعود على كل حال بنص الكتاب حيث يقول الله سبحانه : (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (١). فلما رأينا الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد منعهما هذه
__________________
إلا كتب لهم به عمل صالح) سورة التوبة : الاية ١٢٠.
فمواقف الناس في الجهاد على أحوال ، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض ، فمن دلف إلى الأقران ، واستقبل السيوف والأسنة ، كان أثقل على أكتاف الأعداء ، لشدة نكايته فيهم ، ممن وقف في المعركة ، وأعان ولم يقدم ، وكذلك من وقف في المعركة ، وأعان ولم يقدم ، إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل أعظم عناء ، وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك ، ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرياسة بقلة بسط الكف وترك الحرب ، وأن ذلك يشاكل فعل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، لكان أوفر الناس حظا في الرياسة ، وأشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت ، وإن بطل فضل علي ـ عليه السلام ـ في الجهاد ، لأن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان أقلهم قتالا ، كما زعم الجاحظ ليبطلن على هذا القياس فضل أبي بكر في الأنفاق ، لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان أقلهم مالا! ... الخ.
(١) سورة النساء : الاية ٩٥.