قال : ومن شك في ذلك فهو ممن سلب عنه المشاعر والمدارك؟!
ثم قلت : إن كنت سلطانا وغرضك إعلاء الدين نظما وبرهانا وإيصال المنافع إلى الغير وامتياز الشر من الخير ، والفساد من الصلاح ، والنكاح من السفاح ، والجائر من العادل ، والعالم من الجاهل والرفيع من الوضيع والفطيم من الرضيع والعابد من العاصي ، والأذناب من النواصي ، والأداني من الأقاصي ، والحمار من الفرس الشناصي (١) ، والبيوت من الشعر من الصياصي والعاتي من الخاشع ، والطامع من القانع ، أيمكن ذلك بلا نزاع وجدال وتسلط وقهر وغلبة وقتال؟
قال : لا!
قلت : هل يحصل التسلط والقهر والغلبة وتفريق الصفوف ، بدون مد الرماح وإشهار السيوف وإطارة السهام الثواقب وتجهيز العساكر والمقانب ، وإجالة السبوح أو البعير ، وتسديد الرأي والتدبير؟
قال : لا.
قلت : هل يحصل ذلك بلا قائد للفيالق وبدون رئيس راتق وفاتق ، وغطريف ذي كياسة ، وبطريق عارف بقواعد الرئاسة ، وأمير ذي سياسة ، وشجاع صاحب رأي متين ، ومنظم لأمور المجاهدين؟
قال : لا.
قلت : فإذا كان لك ابن متصف بسداد الرأي والتدبير ، وكان شجاعا مقداما وصاحب فطانة وكياسة ، وعارفا بقواعد السياسة ، ومستحقا للرئاسة ، ومفرقا للكتائب ، وممزقا للمقانب ، ومفينا للأعداء والأبطال ،
__________________
(١) شناص وشناصي : طويل شديد جواد.