الضائعة بين الصدق والكذب ، حتَّى أُوكِّد لهم أنَّ الوعي لا يذلُّ وأنَّ الذِّلَّ لا يعى ، حتَّى أُرشدهم إلى حقيقة هاجعة فيهم يجلونها بالصدق ، والإباء وعِزَّة النفس. إنَّها القيمة التي يعيش بها الإنسان الصحيح الكريم ، وهي التي تبني المُجتمع الصحيح بقلبه وعقله وعفافه ، حتَّى أُبيِّن لهم أنَّ الحاكم الذي يرهب الناس ويشتريهم ، هو ذاته الذي يجعلهم أبقاراً تحلب وقطعاناً تسمن ، إنَّ الحليب والدسم ليُهرق فوق موائد الأمير!!!
محمد : ـ وكيف يُمكنك ـ يا عمُّ ـ أنْ تُفهمهم ذلك؟
الحسين : ـ أُقدِّم لهم القُدوة ، أُعلِّمهم كيف يكون الرفض يشترون به صَكَّ الأمان ، لو أنَّ الأُمَّة تعلمت الرفض ـ يا محمد ـ لما كان ليزيد بين يديها رقصة تهريج مع دَنٍّ ودَفٍّ ووترٍ!!!
محمد : ـ وكيف تُقابله وهو لابس هكذا نعله؟
الحسين : ـ سأُقابله بالرفض ، وسأُمكِّنه مِن الرقص على بدني حتَّى ترى الأُمَّة ـ بأُمِّ العين ـ أنَّ ثأرها لي هو الذي يُحييني فيها رافضة ـ فيما بعد ـ تسليم حاكمها حينما يُذلِّلها به!! فليكن إيمانك بالأُمَّة يا ابني ، وليكن لي أنْ أُريها أنَّ الحقَّ يبنيها ، وأنَّ العُنفوان يحميها ويُزهيها.
ما توصَّل الحسين إلى مثل هذه الحرارة في البحث ، حتَّى سكت كأنَّه المُنهك ، ثمَّ نهض مِن مكانه وخرج يستكشف وطأة الليل في الخارج ، بعد لحظات لحق به عون ومحمد ، فاستفهم الحسين :
الحسين : ـ أتعودان الآن إلى مَكَّة؟
عون : ـ أبداً ـ يا عَمُّ ـ ها أنَّنا نُمزِّق تحت قدميك كتاب أمان