مِن مَخارم الدروب إلاَّ وأصبح ليزيد عين عليها ، فماذا تُراك تصنع بالكتب معك إذا وقعت بمصيدة؟!
قيس : ـ لا تَخَفْ يا سيِّدي ، أُمزِّقها وأزدردها ، ولنْ أعدم وسيلة أبلغ بها البصرة ، إنِّي كنت رسولك إليهم فيتمُّ لنا بذلك إبلاغ الغرض.
الحسين : ـ تزوَّد بالحقِّ وامشٍ يا قيس ، وانتظرني ألحِق بك ، ألا ترانا أبداً على موعد؟!!
التفت إليه قيس وقد التهبت حَدقتاه بما لا يُفسَّر أنَّه حِلم أو عزم ، أو وحي مِن قرار ، ولكنَّه سريعاً ما انسحب وامتطى الليل كأنَّه الخفَّاش ، ولكنَّه عَلِمَ في ما بعد أنَّ ما توقَّعه الحسين كان ترجمة صحيحة لما قد حصل ، فأمير الحجاز ما وجَّه أخاه في أثر الحسين وأدركه في المُحطَّة الأُولى مِن الطريق (التنعيم) ألاَ وكان قد وجَّه رسولاً آخر خطف الطريق خطفاً إلى يزيد في الشام ، يُطلعه على ما حصل ، وفي الساعة ذاتها كان صاحب الشرطة عند يزيد ـ الحُصين بن تميم ـ يربط الخطوط بالمُراقبة : مِن القادسية ، إلى خَفَّان ، إلى القطقطانة ، إلى جبل لَعْلَع ، وكلُّها مراكز ومحطَّات لابُدَّ للمُتوجِّهين صوب العراق والشام أنْ يمرُّوا بها ، ولقد خدع الناس على هذه الخُطوط برجال شرطة يزيد ، وظنُّوهم طلائع جيش يخصُّ الحسين ، لأنَّ شائعات ـ ولو مُتكتِّمة ـ كانت تتردَّد هنا وهناك بأنَّ الحسين سيُبايع له ، أمَّا حامل الكُتب قيس فإنَّه لم ينج مِن خيوط الشراك ، فمزَّق الكُتب وازدرَدَهَا قبل أنْ يُساق إلى والي الكوفة عبيد اللّه بن زياد ، الذي أمره ـ حتَّى ينجو ـ بأنْ يعتلي منبراً في الكوفة ويَلعن مِن فوقه الحسين ، فأطاع قيس ، ولكنَّه هتف بصوته المُرعد مِن فوق المنبر بلعن يزيد وابن زياد ، ولمَّا رُمي مِن فوق السطح وتحطَّم رأسه ، كان الخبر قد دخل كلَّ بيت مِن بيوت الكوفة ، وهكذا تمَّ تمزيق الكُتب ، ولكنَّ التكهُّن بأنَّ الحسين قريب مِن الأبواب كان حِصَّة الألبَّاء.