ـ ٦ ـ
لم يتوقَّف الحسين إلاَّ قليلاً في مَحطَّة ماء للعرب ، وبينما كان رجال يملأون القِرب لعطش الطريق ، كان الحسين يُصغي لرجل مشهور هناك بحٍكمته وحُسن رأيه ، عبد الله بن مطيع العدوي :
عبد الله : ـ مَن أنا ـ يا ابن بنت الرسول ـ حتَّى تُصغي إليَّ؟ ولكنِّي أربأ بك وأنت الحكيم البصير ، ويغلبُني حُبِّي لك ولأهل البيت ؛ فأجرؤ وأقول لك : بالله عليك ـ يا سيدى ـ لا تُكمل الطريق ، لن يكون لك مِن مَحبَّة القوم درع تَقيك ، إنَّهم يَعِدون ولا يفون ، تظنُّهم صادقين وهُمْ مُقدمون ... ثمَّ ـ والله أعلم ـ لماذا يلوون على أعقابهم ويهربون!!!
الحسين : ـ وأنا أعلم أنَّك الصادق ـ يا ابن مطيع ـ ولكنِّي لا أتمكَّن مِن الهروب مثلهم مِمَّا كلَّفني جَدِّى القيام به. إنَّ الأُمَّة أيُّها العدوي ـ ولا شك انك تعرف أنَّها أُمَّة جَدِّي ـ تُطالبني بأنْ أقرأ عليها فصلاً مِن فصول الكتاب الذي خَطَّه جَدِّي ، وقرأ منه أبي عليٌّ فصلاً كبيراً عليها ما تذوَّقت منه إلاَّ القليل ، وقرأ منه أخي الحسن فصلاً آخر لم تفهم إلاَّ قليلاً مغزاه ... أمَّا أنا فحصَّتي مِن القراءة شاقَّة كما يبدو لك ، ولكنِّي سأتذوَّقها وأُعلِّم الأُمَّة كيف يستحلبون منها حَلاوة هي وحدها التي تُعمِّر بها خليَّة النحل.
عبد الله : ـ سيِّدي ... هل هذه هي العظمة؟
أخذ الحسين السؤال ، وهو يلتفت صوب الرجال وفي أيديهم القِرب الملأى مِن الماء ، ففهم أنَّ الوقت قد حان لترك المكان ، فعاد إلى جليسه ليُردَّ عليه جواب السؤال :