يا محمّدُ بنَ علي ، لو شئتُ أنْ اُخبركَ وأنتَ في ظهر أبيك لأخبرتُك.
يا محمّدُ بنَ علي ، أما علمتَ أنّ الحسينَ بنَ عليٍّ بعد وفاة نفسي ، ومفارقةِ روحي جسمي ، إمامٌ من بعدي عند اللّه في الكتاب ؛ وراثة مِن النّبيِّ أضافها في وراثة أبيه واُمّه ، عَلِمَ اللّهُ أنَّكُمْ خِيرةُ خلقِهِ فاصْطَفى مِنكُم مُحمّداً ، واختار محمّدٌ عليّاً ، واختارني عليٌّ للإِمامة ، واخترتُ أنا الحُسينَ».
فقال له محمّدُ بن علي : أنت إمامي وسيّدي ، ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تُغيّره الرياح ، كالكتاب المُعجم في الرّقِّ المُنمنَم ؛ أهمُّ بإبدائه فأجدني سبقتُ إليه سبق الكتاب المُنزل ، وما جاءت به الرُّسل ، وإنّه لكلامٌ يكُلّ به لسانُ النّاطق ويدُ الكاتب حتّى لا يجد قلماً ، ويُؤتوا بالقرطاس حِمماً ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي المُحسنين ، ولا قوة إلاّ باللّه. الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله رَحماً ؛ كان إماماً قبل أنْ يُخلق ، وقرأ الوحيَ قبل أنْ يَنطق ، ولو علم اللّهُ أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداً ، فلمّا اختار اللّه محمّداً ، واختار محمّدٌ عليّاً إماماً ، واختارك عليٌّ بعده ، واخترتَ الحسينَ بعدك ، سلّمنا ورضينا بمَن هو الرضى ، وممّن نسلم به من المُشكلات (١).
وهذه الوصيّة تُفيدنا عظمة ابن الحنفيّة من ناحية الإيمان ، وأنّه من عياب العلم ومناجم التُّقى ، فأيّ رجل يشهد له إمامُ وقته بأنّ اللّه لم يجعل للشيطان عليه سُلطاناً؟ وأنّه لا يخشى عليه من ناحية
__________________
(١) إعلام الورى بأعلام الهُدى / ٤٢٣.