البزّة ، كردي اللباس والزَّيِّ ، فلم يأت بما تصنعه الشيعة من الزيارة أو السُّنّة من الفاتحة ، فاستدبر القبر المُطهّر ، وأخذ ينظر إلى السّيوف والخناجر والدرق المُعلّقة في الحضرة ، غير مُكترثٍ بعظمة صاحب الحرم المنيع ، فتعجّبتُ منه أشدّ العجب ، ولم أعرف الملّة التي ينتحلها ، غير أنّي اعتقدت أنّه من مُتعلّقي المرأة والولد.
وظهر لي من المرأة ، عند وصولها في الطواف إلى جهة الرأس الشريف ، التعجّب ممّا عليه الرجل من الغواية ، ومن صبر أبي الفضل عليهالسلام عنه ، فما رأيت إلاّ ذلك الرجل الطويل القامة قد ارتفع عن الأرض ، ولم أرَ مَن رفعه وضرب به الشباك المُطهّر ، وأخذ ينبح ويدور حول القبر وهو يقفز ، فلا هو بملتصقٍ بالقبر ولا بمُبتعدٍ عنه ، كأنّه مُتكهربٌ به ، وقد تشنّجت أصابعُ يديه ، وأحمرّ وجههُ حُمرةً شديدة ، ثُمّ صار أزرقاً ، وكانت عنده ساعة علّقها برقبته بزنجيل فضّة ، فكُلّما يقفز تضرب بالقبر حتّى تكسّرت ، وحيث إنّه أخرج يده من عباءته لم تسقط إلى الأرض ؛ نعم ، سقط الطرف الآخر إلى الأرض ، وبتلك القفزات تخرّقت.
أمّا المرأة ، فحينما شاهدت هذه الكرامة من أبي الفضل عليهالسلام قبضت على الولد ، وأسندت ظهرها إلى الجدار ، وهي تتوسّل به بهذه اللهجة : (أبو الفضل دخيلك أنا وولدي).
فأدهشني هذا الحال ، وبقيت واقفاً لا أدري ما أصنع ، والرجل قويُّ البدن ، وليس في الحرم أحدٌ يقبض عليه ، فدار حول القبر مرّتين وهو ينبح ويقفز ، فرأيت ذلك السيّد الخادم الذي كان واقفاً عند الباب الأوّل دخل الروضة الشريفة ، فشاهد الحال فرجع