عند السرّاء والضرّاء ، وانّ مصائباً تتابعت عليّ منذ عشرين سنة ؛ أوّلها انّه كان لي ابن سمّيته يوسف ، وكان سروري من بين ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي ، وانّ إخوته من غير اُمّه سألوني أن أرسله معهم يرتع ويلعب ، فبعثته معهم بكرة فجاؤني عشاء يبكون ، وجاءوا على قميصه بدم كذب ، وزعموا أنّ الذئب أكله ، فاشتدّ لفقده حزني ، وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضّت عيناي من الحزن ، وكان له أخ وكنت به معجباً وكان لي أنيساً ، وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فسكن بعض ما بي وما أجد في صدري ، وإنّ إخوته ذكروا [ لي ] (١) أنّك سألتهم عنه وامرتهم أن يأتوك به ، فإن لم يأتوك به منعتهم الميرة ، فبعثته معهم ليمتاروا [ لنا ] (٢) قمحاً فرجعوا إليّ وليس هو معهم ، وذروا انّه سرق مكيال الملك ، ونحن أهل بيت لا نسرق ، وقد حبسته عنّي وفجعتني به ، [ وقد اشتدّ لفراقه حزني حتى تقوّس لذلك ظهري وعظمت به ] (٣) مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ ، فمنّ عليّ بتخلية سبيله وإطلاقه من حبسك ، وطيّب لنا القمح ، وعجّل سراح آل إبراهيم.
قال : فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك وقالوا : ( يَا أَيُّهَا العَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهلَنَا الضُّرُّ ) (٤) فتصدّق علينا بأخينا ابن يامين ، وهذا كتاب أبينا يعقوب أتينا به إليك يسألك تخلية سبيله ، فمنّ به علينا ، وأخذ يوسف كتاب يعقوب ، وقبّله ووضعه على عينيه ، وبكى وانتحب حتى بلّ دمعه القميص الذي عليه ، ثمّ أقبل عليهم و ( قَالَ هَل عَلِمتُم مَا فَعَلتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ) من إذلاله وإبعاده عن أبيه ، وإلقائه في الجبّ ، والاجتماع على قتله وبيعه بثمن وكس ، وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف والتفريق بينهما حتى صار وحيداً
__________________
١ و ٣ ـ من المجمع.
٤ ـ سورة يوسف : ٨٨.