والصباة معه؟ اجتمعوا على حربكم ، ثم نفر الناس من منى وفشى الخبر ، فخرجوا في الطلب ، فأدركوا سعد بن عبّادة والمنذر بن عمرو ، فأمّا المنذر فأعجز القوم ، وأمّا سعد فأخذوه ، وربطوه بنسع رحله ، وأدخلوه مكّة يضربونه ، فبلغ خبره جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن اُميّة فأتياه وخلّصاه.
وكان النبي صلىاللهعليهوآله في ذلك الوقت لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل ، فطالت قريش على المسلمين ، فلمّا كثر عتوّهم أمر صلىاللهعليهوآله بالهجرة ، فقال صلىاللهعليهوآله لأصحابه المؤمنين : إنّ الله قد جعل لكم داراً وإخواناً تأمنون بها ، فخرجوا أرسالاً (١) يتسلّلون تحت الليل ، حتى لم يبق مع النبي إلا عليّ عليهالسلام ، مع جماعة يسيرة من أصحابه ، فحذرت قريش خروجه ، وعلموا أنّه قد أجمع على حربهم ، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قُصيّ بن كلاب يتشاورون في أمره ، فتمثّل لهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد ، فقال : أنا ذو رأي حضرت لموازرتكم.
فقال عروة بن هشام : نتربّص به ريب المنون ، وقال أبو البَختريّ : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه.
وقال العاص بن وائل واُميّة واُبيّ ابنا خلف : نبني له علماً (٢) نستودعه فيه ، فلا يخلص إليه (٣) من الصباة أحد.
____________
١ ـ قال المجلسي رحمهالله : الأرسال ـ بالفتح ـ : جمع الرسل ـ بالتحريك ـ وهو القطيع من كل شيء ، أي زمراً زمراً. ويحتمل الإرسال ـ بالكسر ـ : وهو الرفق والتؤدة.
٢ ـ زاد في المناقب : ونترك له فرجاً.
يقال لما يُبنى في جواد الطريق من المنازل يستدلّ بها على الطريق : أعلامٌ ، واحدها عَلَمٌ. والعلم : المنار ... والعلامة والعَلَم : شيء يُنصب في الفلوات تهتدي به الضالّة. « لسان العرب : ١٢ / ٤١٩ ـ علم ـ ».
٣ ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : فلا يخلص منه إليه.